أرضٌ رَحبةٌ تسعُ الجميع
أكرم صالح
ريف قامشلي
يعيشون معًا منذ مئات السنين، لا فرق بينهم، ولم يعرفوا يومًا معنى العنصرية. كبروا وترعرعوا معًا على هذه الأرض، وتعلَّموا لغات بعضهم البعض.
خربة ديب
تقعُ هذه القرية في الريف الجنوبي لمدينة قامشلي في شمال شرقي سوريا، وتضمُّ نحو مئتي منزل. أهلها خليطٌ من الكرد والعرب الذين عاشوا فيها منذ أمدٍ طويل، ويحيون فيها حتى اليوم كأخوة.
عيسى حسن
كرديٌّ ستينيٌّ من قرية خربة ديب. يتذكَّرُ عيسى أيام صباه في القرية، منذ ذلك الوقت كان يذهب إلى المدرسة رفقة أصدقائه من الكرد والعرب، واستمرّت العلاقة الأخويّة حتى اليوم، فعربُ هذه القرية والقرى المجاورة ليسوا وافدين، بل يشكّلون إلى جانب الكرد سكانَ المنطقة الأصليين. يتشاركون في نواحي الحياة كافةً؛ في الأفراح والأتراح، فالقيام بالواجبات هو السمة الرئيسية لسكان المنطقة الذين تجمعهم العادات والتقاليد نفسها، ويساعدون بعضهم البعض في أيِّ أمرٍ كان، فالعرس في القرية يعني الفرح للجميع، والحزن فيها حزنٌ للجميع؛ جمعتهم المحبّة منذ الطفولة وما تزال.
تجمعُ القرابة أيضًا سكان القرية، فالقرابة تجمعُ الكثير منهم فيما يُعرف شعبيًا بـ”الكرافة”. حتى الزراعة في القرية مشتركة، فالكثير من كرد وعرب القرية يتشاركون في زراعة الأراضي ويتقاسمون ما تدرُّهُ الأرض.
ذياب الرمادي
ستينيٌّ من القرية ذاتها، يعملُ في الزراعة منذ سنين طويلة، عربيٌّ يتقنُ الكردية كالكرد تمامًا، حتى إنه ليس بمقدور أحدٍ أن يميِّزهُ عن أيّ كردي. يتحدّثُ مع أصدقائه الكرد بالكردية، ويشاركهم العمل في الزراعة، وهو ما ورثه من جدِّه وأبيه، فوالده الذي توفي عن عمر ناهزَ المئة عام، كانَ يعيش في القرية إلى جانب كردها متحابينَ كأخوة. كما تشهدُ القرية والقرى المجاورة حالات زواجٍ بين الكرد والعرب، فأهل هذه المنطقة كلّها تقريبًا خليطٌ من الكرد والعرب. يقول ذياب: “زائر القرية لا يميّز كرد القرية عن عربها، فالجميع يتقنون الكرديّة والعربيّة معًا، والعادات والتقاليد أيضًا مشتركة.”
عبد السلام إبراهيم
خمسينيٌّ من قرية خربة ديب. ولِدَ في القرية وما يزال يعيش فيها. يتحدَّثُ عبد السلام عن مراسم العزاء في القرية، ويقولُ إن العزاء مشتركٌ سواءً أكان المتوفي كرديًّا أم عربيًا، فعرب القرية وكردها يقومون بالواجب بغضِّ النظر عن هويّة المتوفي، ويسارع الجميع للمساعدة حتى في حفر القبر.
تعرّضت هذه المنطقة للكثير من الهجمات من قبل الفصائل التكفيرية الجهادية، حتى وصلت الهجمات إلى محيط القرية، إلا أن ذلك لم يؤثّر بشيءٍ على العلاقة الأخوية بين الأهالي، وحين تعرّضت القرى المجاورة لهجماتٍ شرسة، نزحَ أهلها نحو قرية خربة ديب التي سارعَ سكانها إلى القيام بواجبهم تجاه النازحين، فاستقبلوهم مع مواشيهم وأسكنوهم في القرية حتى زالَ الخطر.
تضمُّ الجزيرة السورية الكثير من المناطق المتداخلة قوميًا ودينيًا، إذ يعيشُ فيها الكرد والعرب والسريان والآشوريون والأرمن، والمسلمون والمسيحيون، جنبًا إلى جنب متعايشين منذ مئات السنين في ألفةٍ ومحبةٍ وإخاء. يتشاركون العادات والتقاليد، ويشكّلون معًا هذا الفضاء الرحب الذي يسعُ الجميع.