أريد ساقي

أكرم صالح

 

“بُتِرَت ساق ابني “عبدو”، فحملتُها معه ظنًا منّي أنها ستعود لجسده. حين استيقظَ من النوم سألني: أين ساقي؟”

“كيف سيلعب ابني مع أطفال الحي؟ كيف سيذهب إلى المدرسة؟”

أبٌ مكلوم

مصطفى حنيفة، رجلٌ خمسينيٌّ يتحدَّرُ من قرية قرموغ بريف كوباني الشرقي، ويعمل في الزراعة. في الثامن من كانون الثاني/يناير المنصرم، ذهب مصطفى في الصباح الباكر إلى أرضه لسقايتها، وعادَ إلى البيت في العاشرة صباحًا. توجّه بعدها إلى بيت أخيه القريب رفقة أحد أطفاله، وحين وصلَ سمع دويَّ انفجار. كان الجميع يستفسر عمّا جرى. أدخل مصطفى ابنه لبيت أخيه، وبعد نحو عشر دقائق، سُمِعَ دويُّ انفجارٍ آخر. لم يكن أحد يعلم ما الذي يجري وأين تقعُ تلك الانفجارات. قال مصطفى لابنه وأبناء أخيه: “لا تخرجوا أبدًا، سأذهب لأرى ما الذي حدثَ وسأعود.” اتجه صوب صوت الانفجار، فتلقّى اتصالًا من جيرانه الذين أخبروه أن بيته قد تعرّض للقصف. سارع مصطفى للبيت، ورأى ابنه “عبدو” ملقى على الأرض، ومعه خمسة أطفال آخرين كانوا كلّهم جرحى على الأرض. كان جميع الأطفال الجرحى أبناء عمومة. وبينما كانت العائلة منهمكةً بحمل الأطفال الجرحى، سقطت قذيفةٌ أخرى بالقرب منهم. حَمَلَ مصطفى ابنه الصغير، فسقطت قذيفة أخرى في باحة منزله. سقطَ الجميع على الأرض. سقطت ثلاث قذائف في بيت مصطفى ومحيطه، وحتى الآن لا تعرف العائلة طبيعة القصف إن كانت من طائرة مسيّرة أم قذائف هاون أم قصف مدفعي، لكن الجميع يؤكد أن مصدر القصف كان من الأراضي التركية. قام مصطفى وأخوته وأبناء عمومته بإسعاف أطفالهم إلى مشفى كوباني. كانت إصابات الأطفال متفاوتة، إلا أن “عبدو” ابن مصطفى البالغ من العمر أربع سنوات، فقدَ ساقه وتعرَّضَ لجروحٍ في رأسه، فيما نُقِلت أخت مصطفى، بسنة حنيفة، البالغة من العمر /22/ عامًا، إلى مشافي مدينة قامشلي بسبب الجروح البليغة في جسدها. كما أسفر القصف التركي في اليوم ذاته على قرية خاني القريبة من قرية قرموغ عن فقدان مدنيٍّ لحياته.

يقول مصطفى إن الأطباء يؤكدون أنّ صحة “عبدو” جيدة إلا أنه سيُعالجُ بعد أن يبلغ من العمر /18/ عامًا، وحتى بلوغ ذلك السن، لا يمكن وضع قدم اصطناعية له، وإن وُضِعت فيجب تغييرها بشكلٍ مستمر، لأن جسمه ما يزال في مرحلة النمو، ولا طاقة للعائلة لتغيير القدم الاصطناعية باستمرار، فوضعهم المادي لا يسمح لهم بمعالجته بشكلٍ دائم.

بعد يومين من بقاء “عبدو” في المشفى، استيقظ وسأل والده عن ساقه التي بُتِرت. قال له الأب والألم يعتصر قلبه: “لا، لا تخف يا بني، لقد غطيتُ ساقك بالقماش فحسب.”

في اليوم التالي، استيقظ وسألَ عن ساقه مرةً أخرى. أصرَّ “عبدو” أنها مبتورة. سأله الأب: “من قطعَ لكَ ساقك؟” فأجابه ابنه: “ضربتنا الطائرة وبُتِرت ساقي.”

يعاني “عبدو” من حالة نفسيةٍ مزرية، إذ يخاف من هدير الطائرات ومن كلِّ شخصٍ غريبٍ يأتي لزيارته.

تقول والدة “عبدو”، أويسر خليل: “كيف سأربّي ابني بهذا الوضع؟ لن أنسى ذلك المشهد وهو مبتور الساق وملقى على الأرض. لن يغادرني ذلك المشهد أبدًا. سيكون أمامي دومًا؛ بلا ساق.. إنه يريد ساقه.”

يسأل “عبدو” والدته باستمرار: “أمي! أين ساقي؟ الطائرة بترت ساقي..”