“أطفال التنظيمات الإرهابية”.. انتهازية الجماعة وفوضى المستقبل

في محاولة وهمية لتصحيح مسار الثقافة العربية، وضع منظِّر الحركات الإسلامية، الهندي أبو الحسن الندوي، كتابه “قصص النبيين” للأطفال، وذلك بعدما شعرَ بالخجل والأسف أمام ما يقرأه ابن أخيه من قصص عربية تدور حول حيوانات الغابة، لذا أصرَّ على تأليف قصص الأنبياء بأسلوب يتناسب مع سنِّ الأطفال بهدف تعديل مسار الثقافة العربية التي شعرَ بالخجل تجاهها.

في كتابه “قصص النبيين”، أوصى “الندوي” بضرورة تعزيز الروح القتالية والجهادية في نفوس الأطفال، مع التنبيه على أهمية الشهادة بوصفها الجسر الذي يقودهم لبرِّ الأمان، مشددًا على أهمية تنمية الروح الجهادية للطفل المسلم لأنها “المخزون الفعلي للطاقة الإسلامية من الأشبال الذين هم حرّاس العقيدة وحماة الديار”؛ وهذا بحسب ما جاء في كتاب “أبو الحسن الندوي.. بحوث ودراسات” الذي أصدرته رابطة الأدب الإسلامي في العام 2005.

من هنا يتضح أن الجماعات المتطرّفة، والتي تدين لسيد قطب وأبو الحسن الندوي بالولاء الفكري، تعيش حالةً من الانتهازية والاستغلال تجاه مرحلة الطفولة حيث يسهل تجنيد المزيد من المتطرّفين.

ويبدو أن أكبر تطبيق فعلي حدثَ للأفكار الخاصة بالأطفال، تجلّى في مسيرات جماعة الإخوان في مصر بعد عزل رئيسهم محمد مرسي في تموز/يوليو من العام 2013، وهي المسيرات التي ارتدى فيها الأطفال الأكفان رافعين شعار “مشروع شهيد”، أما التطبيق الآخر فكان مع تنظيم داعش الذي احتجز الأطفال فوق سنِّ العاشرة في المناطق التي استولى عليها، وأبرزها قضاء سنجار (شنكال) في العراق في آب/أغسطس من العام 2014، إذ اختطف التنظيم الأطفال وأخضعهم لجلسات تثقيف و”مسح عقل” ثم جنّدهم للقتال في صفوفه.

في كتابه “قصص النبيين”، أوصى “الندوي” بضرورة تعزيز الروح القتالية والجهادية في نفوس الأطفال، مع التنبيه على أهمية الشهادة بوصفها الجسر الذي يقودهم لبرِّ الأمان.

 

يحوز الطفل مكانةً كبيرةً في أدبيات الجماعات المتطرّفة، لأنه الوقود الفعلي لوجود تلك الجماعات والامتداد الحقيقي لمشروعها في تحقيق دولتها المستحيلة، حيث تبدأ أهمية الطفل منذ الحثِّ على الزواج والإنجاب، وصولًا لمرحلة الشباب حيث يكون “جيل الخلافة المنتظَرة” جاهزًا، وعلى أتمِّ الاستعداد لخوض غمار الحروب.

دور المرأة في نظر الجماعات المتطرّفة

دأب منظّرو الجماعات الجهادية على تقديم النصائح للنساء، والتأكيد على أن جهادهن الحقيقي يكمن في إنجاب الأبناء وإعداد الجيل الذي يعمل على قيام الدولة الإسلامية. ويحذِّر سيد قطب بدوره المرأة من التخلّي عن وظيفتها الأساسية في “رعاية الجيل الجديد” جريًا منها وراء الأفكار الغربية المادية التي تحضُّ المرأة على الخروج للعمل، بحسب تعبيره.

ففي كتابه “معالم في الطريق”، يصفُ المرأة التي تخرج للعمل بأنها تمارس “الغواية والفتنة”، وهي -وفقًا له- وظيفة بديلة تتخلّى بها عن وظيفتها الأساسية في رعاية الجيل الجديد. وبحسب “قطب”، فإن المرأة التي تُفضِّل أن تكون مضيفةً في فندق أو سفينة أو طائرة، “تنفق طاقتها في الإنتاج المادي وصناعة الأدوات، ولا تنفقها في صناعة الإنسانية، لأن الإنتاج المادي يومئذ أغلى وأعزّ وأكرم من الإنتاج الإنساني، عندئذ يكون هنا هو التخلّف الحضاري بالقياس الإنساني أو تكون هي الجاهلية بالمصطلح الإسلامي.”

يحوز الطفل مكانةً كبيرةً في أدبيات الجماعات المتطرّفة، لأنه الوقود الفعلي لوجود تلك الجماعات والامتداد الحقيقي لمشروعها في تحقيق دولتها المستحيلة.

يختار “قطب” للمرأة أن تبتعد عن الإنتاج المادي، وأن تتخلّى عن العمل، وأن تتجه لاستثمار طاقتها في الإنتاج الإنساني، حيث تصبح المرأة “مَفرَخة” لإنتاج وإعداد المتطرّفين فقط.

هذه الرؤية المتشددة في التعامل مع المرأة دفعت المنظّرين الآتين بعد “قطب” للتعديل منها قليلًا بحسب حاجتهم للاستغلال والاحتيال، فزعيم الجماعة في تونس، راشد الغنوشي، في كتابه “المرأة بين القرآن وواقع المسلمين”، يختار للمرأة أن تخرجَ للعمل لتعيل أسرتها، والأهم من ذلك هو أن تزاحم الآخرين، فتتمكّن نساء الجماعة من السيطرة على المناصب في المؤسسات بدلًا من تركها لمن هم خارج الجماعة، مع الحفاظ على الدور الأساسي للمرأة في التربية وإعداد الجيل المسلم المنتَظَر.

ولا يشعر “الغنوشي” بالحرج أمام رؤية “قطب”، وهو الزعيم الأكبر للجماعات المتطرّفة، فيبرّر وجهة نظر الأخير بأنها مرتبطة بزمنٍ سادت فيه ثقافة المستعمِر الغربي في الأوطان العربية، فكان يخشى على المرأة من طريقة الملابس والاختلاط ومن فِتن الزمن، لكن التحولات التي أحدثتها الجماعات في المجتمع العربي يُغري المرأة الآن بالخروج ومتابعة الاستحواذ والاختراق لكلِّ المؤسسات البعيدة عن أيديهم؛ بحسب كتاب الغنوشي “المرأة بين القرآن وواقع المسلمين”.

وتحضُّ مؤلفات الإسلاميين على الإنجاب تحت شعارات “التكاثر والتباهي”، و”مغالبة الأمم”، و”إعداد جيل الخلافة”. ففي كتابه “تربية الأولاد في الإسلام”، أجاب عبدالله ناصح علوان على سؤال “لماذا شرَّع الله الزواج؟” عبر ذِكرِ عددٍ من الفوائد منها “إنجاب ذريّة الإسلام الصالحة”، مستشهدًا بالحديث النبوي: “تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة.”

ويبرزُ مؤلِّف كتاب “الكلمات النافعات للأخوات المسلمات”، عصام الشريف، دور المرأة في استعادة راية الخلافة، ويفسِّر “جهاد المرأة” ويحدده في خمسة أمور وهي: “حُسن التبعّل للزوج أي القيام بحقوق زوجها في أحسن صورة، وتربية الأولاد، وتحصيل العلم الشرعي، والحج والعمرة، والدعوة إلى الله.”

ويشرحُ “الشريف” أنه من الواجب على الزوجة تربية أولادها والإحسان إليهم وتعليمهم الطهارة والنظافة والأخلاق الحسنة كي ينشؤوا مسلمين يعيشون بالإسلام وللإسلام حتى تعود راية الخلافة مرةً أخرى ترفرف على أرض المعمورة.

الإنجاب في ظلِّ الدول المستقرة

فضلًا عن تجاهل هذه المؤلَّفات لأزمة الزيادة السكانية التي تلتهم معدلات التنمية، فإنها تكرِّس للعمل ضدها أيضًا من خلال إشاعة المخاوف من تعاطي أقراص منع الحمل، ورفع شعارات التحريم ضد حملات تنظيم الأسرة أو تحديد النسل، وربط الانتباه لمصادر دخل الفرد وعدد أفراد أسرته بالخوف من الفقر وهو ما يقارب الشِرك أو يشبه ما حذّرت منه الآية القرآنية: “ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق.” (الإسراء 31).

وقد لفتت الكاتبة رباب كمال النظرَ إلى وقوف جماعة الإخوان ضد أفكار تحرير المرأة التي بدورها تضربُ فلسفة تهيئة المرأة لإنجاب جنود المستقبل، وأشارت إلى الطريقة الترغيبية للجماعة في الإنجاب ومواجهة تنظيم الأسرة لغزو البلاد بآلة الإنجاب.

تحضُّ مؤلفات الإسلاميين على الإنجاب تحت شعارات “التكاثر والتباهي”، و”مغالبة الأمم”، و”إعداد جيل الخلافة”.

 

في كتابها “نساء في عرين الأصولية”، تقول “كمال” إن الكثير من الناس داخل مصر أو خارجها، وحتى بعض المنتمين للتيارات الليبرالية في البلاد، لم يدركوا فلسفة تشجيع الإخوان للمواطنات المسلمات بشكل عام والأخوات المسلمات بشكل خاص على الإنجاب. الأمر لم يكن فحسب اتِّباع سنةٍ نبويةٍ هدفها التباهي بأعداد المسلمين يوم القيامة، بل كان هناك هدف استراتيجي آخر دنيوي وهو السيطرة عدديًا على مقدّرات البلاد التي يعيشون فيها أو بالأحرى غزو البلاد بآلة الإنجاب.

وتنقل “كمال” عن كتابٍ للجماعة بعنوان “الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية” أنه لا يجوز للإنسان أن ينظِّم النسل وأن هذا أمر يتنافى مع مقاصد الشريعة والتي من غايتها “تكثير النسل”، وحثُّ المسلمات على كثرة الإنجاب كان سببه حاجة المسلمين للتوالد والتكاثر لأنهم سيواجهون حروبًا يتساقطون فيها.

وهكذا، تستغلُّ الجماعة النساء في إنجاب الأطفال بهدف غزو الخصوم والتفوق عليهم عدديًا، والاستعداد لحروب مستقبلية، وهي حروبٌ باتت واضحة وجليّة بعدما أطلقوها مع أول شعور بوهن الدول التي يقيمون فيها وضعف السيطرة الأمنية.

“أجيال الخلافة”.. الترتيب لقيادة الفوضى المستمرة

بعدما سيطرت الجماعات المتطرّفة على عدة مناطق واسعة في العراق وسوريا، خاصةً بعد العام 2011، سعت تلك الجماعات لجمع الأطفال فوق سن العاشرة، وتنظيمهم ضمن فرق لغسل عقولهم من أجل ضمان انتسابهم لصفوف المقاتلين المتطرّفين.

في كتابه “تاريخ سوريا المعاصر”، لفتَ الدكتور كمال ديب إلى عدد من الممارسات التي وقعت بعد سيطرة التنظيمات المسلّحة على مدن ومحافظات في سوريا، منها أن المسلّحين فرضوا نظامًا صارمًا على المناطق التي سيطروا عليها فمنعوا النساء من قيادة السيارات وتحرّشوا باللواتي لا يرتدين الزيّ الإسلامي، إذ تعرّضت النساء والفتيات للبيع والزواج القسري والبغاء المؤقت.

ونقلَ “ديب” عن بعض الصحف أن جمعية أردنية تعمل في مجال دعم اللاجئين، سهّلت دخول رجالٍ إلى المخيمات لاصطياد الفتيات، كما أنها تبنّت تزويج السوريات من رجالٍ مسلمين، خاصةً أن هذه الجمعية ترفع شعارًا إسلاميًا.

اعتمدت النتيجة التي وصلت إليها التنظيمات المسلّحة في المنطقة على جذور فكرية تنطلق من نظرة تحقيرية تجاه المرأة، إلى جانب وضع رؤية لبرمجة نساء التنظيمات للعمل على الإنجاب وإنتاج إرهاب المستقبل.

 

لذا، فإن بعض المخيمات كان لها دورٌ في عملية الدعم اللوجستي للتنظيمات المتطرّفة مثل داعش، إذ قامت البلجيكية “هايدي دي باو”، وهي المديرة العامة لجمعية “تشايلد فوكوس”، في عامي 2020-2021 بثلاث زيارات لمخيّم الهول في شمال شرقي سوريا، وقالت في شهادتها التي نشرتها وكالات أنباء إنها لاحظت في المخيم الواقع تحت سيطرة المقاتلين الكرد أن نساء داعش يقمنَ بالتواصل مع أعداد كبيرة من المتعاطفين مع تنظيم داعش بهدف التجنيد أو الحضِّ على ارتكاب عمليات متنوعة في بلادهم.

ولاحظت “دي باو” أيضًا أن داعش يولي اهتمامًا كبيرًا لإنجاب الأطفال، ويقوم بتزويج المراهقات والفتيات في سنٍّ مبكّرة بهدف إنجاب الأطفال. كما أن النساء يقترّبن من رجالٍ عراقيين وسوريين وأيضًا من عاملين في منظماتٍ غير حكومية لإغوائهم، في صورةٍ أشبه بممارسة الدعارة بهدف الحصول على أطفال.(1)

وأعتقدُ أنه في غضون عشرة أعوام، سيصبح هؤلاء الأطفال جنودًا ينتشرون مثل الجراد للسيطرة على مناطق عدة بالعالم لتنفيذ مخططات الفوضى المستمرة. والسؤال: هل أجواء المخيّم مناسبة لولادة الأطفال ونشأتها؟

تشير التقديرات إلى أن نحو 62 ألف شخص يقطنون في مخيّم الهول، وأنه خلال قرابة ثمانية أشهر توفي حوالي 62 طفلًا بما يعادل طفلين كلَّ أسبوع.(2)

وبالعودة للمديرة البلجيكية “دي باو”، فإنها تقول عن الخدمات في المخيّم: “ليس هناك مكان مناسب للأطفال. ليس هناك مدارس ولا طعام كافٍ أو مياه صالحة للشرب. والجو حار جدًا في الصيف وبارد جدًا في الشتاء ولا تحصل كلُّ أسرة على خيمتها الخاصة”.(3)

وبالطبع، فإن هذه الأماكن غير الصالحة لتنشئة الأطفال ستكون هي الأماكن الملائمة جدًا لتنشئة أجيال داعش، وذلك لضمان خروج أجيال ممتلئة بالحقد والغضب تجاه مجتمعات أخرى تعيش حياة أفضل، ومن المقرّر أن يصبحوا مجموعات تهدد حياة الآمنين وخاصةً في مجتمعاتهم المحلية والقريبة منهم.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في تقريرٍ لها صَدَرَ في 21 كانون الأول/ديسمبر عام 2018، إن “العالم فَشِلَ في حماية الأطفال في النزاعات في عام 2018. وبخصوص سوريا تحديدًا، فإن الأمم المتحدة وثّقت بين شهري كانون الثاني/يناير وأيلول/سبتمبر مقتل 870 طفلًا، وهو أعلى رقم على الإطلاق في الأشهر التسعة الأولى من أي عام، منذ بداية النزاع السوري في عام 2011.”(4)

وقال مانويل فونتين، وهو مدير برامج الطوارئ في اليونيسف، إنه “خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، استمرّت معاناة الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاعات حول العالم من مستويات متطرّفة من العنف، واستمر العالم في خذلانه لهم. لفترة طالت جدًا، ظلّت أطراف النزاعات ترتكب الفظائع وتفلت بشكل شبه كامل من العقاب، والأمر لا ينفكُّ يزداد سوءًا. يمكن، بل ويجب، القيام بالمزيد لحماية الأطفال ومساعدتهم”.

يتضح من العرض السابق أن المنهج الانتهازي والاستغلالي للتنظيمات المتطرّفة، والذي وضعته شخصيات ممتلئة بالحقد والكره، وهي تعيش آمنة وسط مجتمعات وصفتها أنها تعيش في “جاهلية عمياء”، أصبحَ معمولًا به، ويهدد المنطقة بفوضى ستظلُّ مستمرةً لقرن أو لنصف قرن مستقبلًا.

اعتمدت النتيجة التي وصلت إليها التنظيمات المسلّحة في المنطقة على جذور فكرية تنطلق من نظرة تحقيرية تجاه المرأة، إلى جانب وضع رؤية لبرمجة نساء التنظيمات للعمل على الإنجاب وإنتاج إرهاب المستقبل، مع الوضع في الاعتبار أن الدول المستقرّة تحتاج لطريقة عمل مختلفة عن الأخرى التي وصلت إلى الفوضى والدمار.