أغلقوا الباب كي لا يرحل!

 

شيرين صالح

حسكة

 

في الساعة الخامسة وخمسٍ وأربعين دقيقة من مساء الحادي عشر من كانون الثاني/يناير 2022، حلّت لحظة الحزن والقلق حين رنَّ هاتف محمد محمد. أخبره أحدهم أنَّ ابنه “باسم” قد أُصيب بتسممٍ في معدته ونُقِل إلى المشفى. هرعَ الأب إلى المشفى فإذا بسيارات الإسعاف تحيط بالمكان وجموعٌ من ذويه يتهيؤون وينتظرون أمام باب المشفى وداخله، لم يفهم ما يحدث. تاهَ دون أن يجيب أحدٌ على أسئلته عن حال ابنه وهو يصرخ ويندب، إذ كانوا جميعًا يبكون ويتهرّبونَ من حقيقة معرفتهم بمقتله برصاصة داعشي. فجأةً دخلت سيارة إسعاف ورأى وجهَ ابنه مغطى. صرخَ وبكىَ بأعلى صوته وهو يحرِّكُ جسدهُ علَّهُ يسمعه فيجيب. لم يصدّق ما كان يراه. يتحدّث محمد وجسده يتناوب بهزات بكاء قائلًا: “أخبرنا صديقه أن داعشيًا ملثَّمًا كان جالسًا لساعات بحجة أنه ينتظر زوجته. حين بحثَ باسم عن اسم زوجته في السجلات الخاصة بأسماء قاطني مخيّم الهول لم يجد لها اسم، وهو الأمر الذي أثارَ شكوكه فطلبَ منه أن يزيل اللثام عن وجهه فلم يستجب الداعشي، فرفعه باسم عنوةً، فسحب الداعشي مسدسًا من جوربه وأطلق الرصاص على طرف أنف باسم وفرَّ هاربًا.”

فقد باسم حياته بطلقٍ ناريٍّ لداعشي. كان يعمل، وهو في الثلاثين من عمره، في نقطةٍ طبيّةٍ بمخيم الهول الذي يأوي /15415/ عائلة، بينهم عائلاتٌ لعناصر تنظيم داعش، والتي تقيمُ في قسمٍ خاصٍ يخضعُ لحراسةٍ مشددة. ويشهدُ المخيم بين الحين والآخر حوادث أمنية من عمليات قتل ومحاولات فرار وهجماتٍ ضدَّ الحرّاس، كان آخرها عملية القتل التي استهدفت باسم. وبلغَ عدد حالات القتل عام 2021 /88/ حالة، بينها /21/ وقعَ ضحيّتها سوريون، و/67/ حالة وقعَ ضحيّتها أفرادٌ من حاملي الجنسية العراقية.

يتحدّث والد باسم وشهقات البكاء توقِفُ كلامه في كلِّ حين: “في الطريق، وداخل سيارة الإسعاف، رفع سبابته ولفظ الشهادتين ومن ثمَّ فارقَ الحياة. أخبرني زميله في العمل أنه أثناء ولوج الرصاصة في وجهه حاولَ الاتصال بزوجته لكنَّهُ لم يستطع، إذ كانت الرصاصة قد استقرّت في رأسه وسقطَ على الفور.”

بعد شهرين من مقتل باسم، وضعت زوجته سعاد طفلًا أسمته باسم زوجها “باسم”، لينضمَّ إلى طفليهما الآخرين. تقول زوجته والدموع في عينيها: “حين كنتُ مخدَّرة بعد العملية التي أجريتها، أخبروني أنني كنتُ أهذي بأن يغلقوا الباب حتى لا يرحل، وها أنا ذا أفتح الباب أحيانًا منتظرةً عودة زوجي باسم، دون أن أفكِّر كيف ومتى. أتذكَّر آخر محادثة بيننا، والغريب أنه في ليلة الجريمة سجَّلَ حسابات ديونه ورتّبها وأخبرني عن تفاصيلها.”