داعش في متحف الرقة (السرقة الكبرى)
داعش في متحف الرقة
(السرقة الكبرى)
أكرم صالح
الرقة
«دَمّروا آثارنا، جاؤوا بهدف السلب والنهب؛ مئات المواقع الأثرية دُمّرت وعُبّئت ضمن صناديق وأُخِذتْ، فرغ المتحف من محتواه وطُرِدَ الجميع منه. قالوا لنا: أنتم مرتدّون وجئنا لإصلاحكم».
محمد عبد الله عزو، مختصّ في الآثار والمتاحف، وتاريخ الفنون الجميلة، ويشغل حاليًّا منصب مستشار الآثار في لجنة الثقافة والآثار في الرقة.
تعدُّ الرقة، الغنية أثريًا، من المدن القديمة جداً، يعود تاريخها إلى 7500 سنة قبل الميلاد. دُمّرت هذه المدينة خمس مرات على مرّ العصور، كما تعرضتْ آثارها للتدمير والسلب والنهب، ففيها أكثر من خمسمائة موقع أثري، وكانت مقصدًا لبعثات الآثار الوطنية والدولية.
مع سيطرة داعش على الرقة وريفها تعرضتْ هذه المواقع الأثرية للتدمير والنهب، وفَقَدت المدينة والمواقع المحيطة بها تاريخها ورونقها كـ «تل البيعة»، وهو المدينة السالفة للرقة قبل الألف الثالث قبل الميلاد. كان يوجد في هذا التل الكثير من الآثار القيّمة، ولكن بعد تحرير الرقة ظهر بأن هذا التل مدَّمر بالكامل تقريبًا، بالإضافة إلى أن التل كان يحوي منزلاً، على مساحة /2000/ متر مربع، للبعثة الأثرية. كان فيه مجموعة كبيرة من اللُقى الأثرية دُمرت بالكامل، كما سُرق ونُهب الكثير منها، وأصبح موقع التل الأثري مخيّمًا يأوي النازحين؛ حيث لم يعد هناك وجود للآثار. بالإضافة إلى مواقع أخرى كـ «تل الصبي الأبيض» و «تل حمام التركمان»، إلى جانب المواقع الأثرية الموجودة داخل المدينة كـ «سور الرقة» و«الجامع القديم» و«قصر البنات» و«باب بغداد»، كلها مواقع أثرية تعرّضتْ للتخريب والسرقة.
السرقة الكبرى كانت في متحف الرقة، الذي كان يعدُّ من أجمل المتاحف في سوريا، كونه كان يحتوي على لُقى أثرية تعود لفترات زمنية متعددة وغابرة. نهب داعش المتحف بشكل كامل، أكثر من سبعة آلاف قطعة أثرية لم يبق منها سوى القليل، ربما خبأها العاملون في المتحف تحت الأرض أو في أماكن سرّية أخرى. تم تهريب الآثار المنهوبة كلها إلى تركيا والعراق ولبنان والأردن.
لم يكتف داعش بنهب المتحف، فقد تم تحويله إلى مكان لبيع لحوم «السواقط»، والجهة الأخرى من المتحف تم تحويلها إلى محال لتصليح البرادات والغسالات.
في محيط الرقة أيضًا هناك «قلعة هرقل»، والتي كانت تحتوي على نحو ثلاثة آلاف قطعة أثرية، هي الأخرى تم نهبها بالكامل من قبل داعش، ولم تعد تحتوي على أي مَعلمٍ أو قطعة أثرية.
يقول محمد عزو «الآثار على أيدي هؤلاء، وفي هذه المرحلة السوداء، لاقتْ أسوأ مصير وأسوأ حالة عرفناها في سوريا، وكان المتضرر الأكبر من هذه الحرب هما الآثار والإنسان».
يضيف عزو أن داعش كان يُجنّد بعضًا من الناس المقربين منه، بغرض التنقيب والبحث والاستدلال عن أماكن تواجد الآثار في الرقة وريفها مقابل مبالغ مالية يقدّمها لهم، وهو الحال بالنسبة لبقية المناطق التي كان يسيطر عليها داعش، ومن قبله الفصائل الموالية لتركيا، حيث كانت عمليات التنقيب همجيّة، تفتقد للمنهجية والعلمية وأصول التنقيب، ما أدى إلى تعرّض الكثير من الآثار للكسر أثناء التنقيب والحفر، بحسب «عزو» كان من الواضح أن هذه الجماعات، التي حكمت الرقة، جاءت بهدف سلب الآثار؛ فهي باهظة الثمن، يقول: «شاهدت في الرقة والطبقة “بسطات” على الأرصفة توجد فيها الأسلحة إلى جانب قطع أثرية وتباع بأسعار زهيدة، تَدخّلتُ مرّة لأوقفهم عن بيع الآثار، فقالوا لي: اذهب من هنا فأنتم مرتدون ولستم مؤمنين».
كل من عمل في مجال الآثار، فترة سيطرة داعش، كان مُهدَّدًا، وحرّاس الأماكن الأثرية جميعهم طُردوا من عملهم، فالعمال أخبروا خبراء الآثار بأن الآثار كلها نُهبت وجُمعت ضمن صناديق وأُخذت إلى أماكن مجهولة، كان يتم التعامل مع العاملين في مجال الآثار بلغة التهديد والوعيد، وكان ذلك مصدر خوفٍ، ما شكّل رادعًا لعدم التصادم مع داعش وغيرهم.