رحلة البحث عن مكانٍ آمن

رحلة البحث عن مكانٍ آمن

قصة: أكرم صالح

 

في بيتٍ مهترئ تسندُ أعمدته بعضها البعض، وتحت سقفٍ متهالك بالكاد يقي المحتمين به من قيظ أيام صيف هذه البلاد الحارّة وبرد شتاءها القارس، ووراء جدرانٍ ثقبتها رصاصات الحرب الطائشة وهدّمت أجزاءً منها شظايا القذائف المتطايرة نحو كلِّ ركنٍ من أركان المنزل؛ وسط كلِّ هذا الدمار وركامه تعيش سوسن برفقة طفليها.

نزوح وترحال

سوسن أسعد، عراقية من مواليد عام 1979، أجبرتها ظروف الحرب القاسية على النزوح من دولةٍ لأخرى ومن مكانٍ لآخر. حُلمها أن تحظى بمكانٍ آمنٍ يحتضنها وعائلتها. لديها طفلان يدرسان في المرحلة الابتدائية، وهي أيضًا مدرِّسة حاصلة على إجازة من كلية التربية. كان نزوحها الأول عام 2005، وذلك بعد تدهور الوضع الأمني في العراق، إذ اتجهت إلى مدينة البوكمال التابعة لمحافظة دير الزور السورية. استقرّت لسنوات هناك، لكن سرعان ما لاحقها شبح الحرب الذي حلَّ في سوريا مع بدء حراكها الشعبي وتعمّق أزمتها. ومع ظهور داعش في سوريا، كانت البوكمال أولى المناطق التي اقتحمها التنظيم، وهو ما أجبر عائلة سوسن، كآلاف العائلات السورية، على النزوح والترحال.

تابعت سوسن رحلة البحث عن مكانٍ آمن، فاتّجهت نحو مدينة الباب التابعة لمحافظ حلب واستقرت هناك. ومع اشتداد المعارك في الباب أيضًا، قررت النزوح باتجاه العاصمة دمشق، وكان كلُّ همِّها أن يكمِلَ طفلاها مسيرتهما الدراسيّة. قامت بتسجيل الطفلين في إحدى مدارس دمشق، لكن الوضع المادي للعائلة كان تعيسًا للغاية، فكانوا يعيشون حياتهم بصعوبة كبيرة وسط ندرة فرص العمل، إذ لم يحالف الحظ زوج سوسن في الحصول على فرصةِ عملٍ جيدة تعينه في إعالة عائلته وتؤمِّن لهم متطلّبات الحياة، خاصةً أن الوضع الاقتصادي في العاصمة كان يتفاقم سوءًا.

في عام 2017، وبعد تحرير مدينة الرقة من داعش، لم يبقَ أمام عائلة سوسن سوى النزوح إلى الرقة والاستقرار فيها.

يعملُ زوج سوسن حاليًا في إحدى محلات صبغ الألبسة في الرقة، وهي ترعى طفليها في بيتٍ لم تترك الحرب منه سوى الأطلال. كان البيت قد تعرَّض قبل أن تسكنه عائلة سوسن لقصفٍ مستمر وتدمّرت أجزاءٌ منه، رممته العائلة بما كان لديها من مدخرات شحيحة، وتقوم سوسن باستمرار بإصلاح البيت الذي تعود مِلكيته لأحد مواطني الرقة، والذي سمح لعائلة سوسن بالإقامة فيه. تعيش العائلة الآن في غرفةٍ واحدة فقط صالحة للسكن، فهذه الغرفة هي المأوى الوحيد والملاذ الآمن الأخير لهم.

رحلة النزوح التي استمرت لسنوات عديدة لم تكسر إرادة سوسن ولم تثنها عن تعليم طفليها في البيت، فرغم انقطاعهما عن المدرسة، إلّا أن الأمَّ استمرّت بتدريسهما وهما الآن في الصفين الرابع والخامس الابتدائيين.

عائلة سوسن ليست الوحيدة التي تعرّضت للنزوح والتهجير، فهناك آلاف العائلات السورية التي تدمّرت منازلها وتشرّدت على إثر الحرب المدمِّرة. مئات العائلات نزحت إلى مدينة الرقة قادمةً من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والفصائل الموالية لتركيا، وذلك بسبب استمرار الانتهاكات وسوء الوضع المعيشي والاقتصادي.

ما تتمنّاه سوسن هو البقاء في هذا البيت لترعى طفليها، فهي غير قادرة على دفع أجرة بيتٍ آخر. جلُّ ما تتمناه هو أن تنعمَ عائلتها ببعض الاستقرار والأمن، وأن يواظب طفلاها على الذهاب إلى المدرسة ويكملا تعليمها.