رسائل الموسيقا والحب
شيرين صالح
ريف تربه سبي
حين يعزف، يغلقُ عينيه ويحلِّقُ في أنغام الموسيقا والأغاني التي ينشدها، هي الحالة الروحية التي اعتادها حزني حسن، كما يقول، حين يعزفُ على آلة الكمنجة التي بدأ العزف عليها منذ نعومة أظافره؛ أي قبلَ /٥٩/ سنة. في صغره، صنعَ آلة كمنجة من علبة حلاوة فارغة، وثبَّتَ شَعر ذيل الحصان على عود غصن وردة، وظلَّ يعزفُ ويحاولُ ضبط أنغام أغاني الفنانين الكرديين الراحلين محمد شيخو وسعيد كاباري، والذين يحبّهما جدًا كما يقول. آلة بسيطة نمَّت موهبته ليتعلّم فيما بعد العزفَ على آلاتٍ موسيقيةٍ أخرى كالبزق والطنبور.
جاءت اللحظة التي اكتشف فيها تطوّر موهبته في حفلة عرسٍ بقرية “كِري بِري”، شرق مدينة تربه سبي شمال شرقي سوريا، حين استلم آلة الكمنجة من الفنان الذي كان يعزفُ في العرس، وعزفَ لدقائق فأمتعَ الجميع بعزفه الجميل وهو طفل، وتطوَّرت موهبته مع الوقت ليحصلَ على آلةٍ مقابل عمله، وظلَّت أوتارها تلك تتحرّك في كلمات أغانيه منذ عام 1965 إلى الآن. آلته المصنوعة من خشب المشمش، والتي اعتاد عليها أكثر من تلك المصنوعة من خشب التوت، تتميّز بصوتها عن تلك الآلات التي صُنِعت مؤخرًا بأحجامٍ أكبر، والتي لا تُصدِرُ صوتًا جميلًا كآلته، كما يقول.
يحتفظُ حزني بآلته منذ خمسين عامًا، ويعزفُ عليها كما لو أنها جزءٌ من عالمه الروحي. يقولُ بابتسامةٍ تظهٍر تجاعيد وجهه: “أشعرُ أنني أحلِّقُ حين أعزف، وأحسُّ أنّ أيّ أغنية أغنّيها مع عزفي هي أغنيتي. أعزفُ كلّما شعرت بضيقٍ أو حزن، فأنسى ويتجدد الهدوء والطمأنينة في ذاتي.”
وعلى الجانب الآخر، تتحدّث زوجته “زركا” عن الحبِّ المتبادل بينهما، والذي لم تغيّره الأيام العصيبة التي مرّا بها، وتشيرُ كذلك إلى اللقاء الأوّل المليء بالحبِّ بينهما: “لم يتغيّر الحبُّ بيننا مع مرور الزمن، وتعلَّمَ أولادنا الألفة التي عشناها معًا في الحزن والفرح.”
يعزفُ أفراد عائلته وأولاده وأحفاده على آلاتٍ مختلفة، فيعزفُ أبناؤه مثلًا على آلة الطنبور والبزق والدفّ والأورغ والكمان والفلوت، ويتبادلون الآلات بين بعضهم البعض خلال إحياء الأمسيات الموسيقية في جمعاتهم العائلية أو في فناء بيتهم، خاصةً أثناء حضور أقربائهم.
هي طقوسٌ ألِفوها، ولم تغيّر سنوات الحرب في البلاد شيئًا منها. يقولُ حزني: “في صغري، كنتُ أغنّي وأعزفُ بجنون مع أطفال حيّنا، ولم يتغيّر إحساسي منذ ذلك الوقت، فالعزف والموسيقا يسكنان داخل روحي دون أن يشيبا. أثناء عزفي، أتذكَّرُ اللحظة الأولى التي صادفت بها زوجتي، حين كنتُ شابًا، ظهرت أمامي بلمحِ بصر بعيونها الزرقاء، وتقدّمتُ لخطبتها بعد فترة قصيرة، تحيا تلك اللحظة أمامي وأنا أعزف.”