سآكل تراب عفرين إن عدت

سآكل تراب عفرين إن عدت

 

إعداد : شيرين صالح

 

في غضون أيام قليلة، تحوّلت حياة العفرينيين إلى جحيم، بعد اجتياح الجيش التركي لعفرين بعملية أسماها غصن الزيتون عام 2018، ازدحمت المدينة والطرق المؤدية إلى خارجها بالسيارات والناس وسط القصف التركي، ومنهم المواطنة ثريّا رشو من ناحية جنديرس، حيث هربت مع طفليها وحموها إلى مركز المدينة.

تسترجع ثريّا ذاكرتها قائلة “اختبأنا في قبوٍ لنحمي أنفسنا من القصف التركي المستمر، بعدها هرب الجميع من المدينة بعد اجتياح معظم المناطق، أناسٌ حفاة يحملون أطفالهم هربًا من الموت، لن أنسى الأعضاء المبتورة في شوارع مدينتنا الهادئة التي كبرنا فيها، ولن أنسى صراخ الأمهات والعجوز الذي دفن بين أشجار الرمان في قبرٍ حُفرَ على عجل كما العشرات من الفارين”.

قطعت ثريّا مسافاتٍ طويلة وسط برد الشتاء القارس، قوافلٌ تهرب والعشرات يموتون في طريق الهروب قهرًا وبردًا، توجّهوا إلى القرى والمدن والأرياف والمحافظات المجاورة، نزحت ثريّا إلى قرية تل نصري الآشورية بريف مدينة بلدة تل تمر التابعة لمحافظة الحسكة، حيث البيوت الخالية بعد هجوم داعش عليها وفرار أهلها.

عندما وصلت ثريّا لتل نصري، لم يكن هناك سوى أربعة أشخاص من سكان القرية الأصليين التي كانت تضم أكثر من ألف شخص.

تسرد ثريّا التفاصيل بحزن “سكنّا في بيت عائلة مسيحية بعد أن قام أبو سركون بتمديد خطوط الكهرباء لنا، كان البيت مهدّمًا في معظم أجزائه، والنوافذ والأبواب محطّمة، علّقنا الصلبان المرميّة ثانية، قد يعود صاحب البيت يومًا ما، أحيانا أفكر هل سيحافظ المحتلون على بيوتنا وأغراضنا أيضا؟ لا، فالمحتلون أشرار، ألمنا والآشوريون واحد، كلانا تركنا أموالنا وتعرضنا للنهب، كلانا ذقنا مرارة العنف”.

خسرت ثريّا مع بيت حماها كل ما كانوا يملكون، 500 شجرة زيتون، وأرض زراعية وبيتين في قرية (تلفة)، وثلاثة بيوت أخرى حيث يسكنها المسلحون في عفرين، وجرارات ومولدات كهرباء ومضخّات مياه وخراطيم لسقاية أشجار الزيتون وذكريات أليمة.

تقول ثريّا “في أوقات العصر كنا نذهب إلى الأرض لقطف الخضار، وكنا نأخذ صحنًا من الزيتون معنا ونجلس بجانب الجدول، لحظات جميلة، كنا ننسى همومنا التي كانت صغيرة، عظمت همومنا بعد الاحتلال حدّ الاختناق”.

 

لم تتأقلم ثريّا مع واقعها حتى بعد مرور أربعة سنوات من الاحتلال التركي لعفرين، ما تزال تعيش بروحها في عفرين، حتى في تفاصيل الطبخ ومذاقه التي تراه بلا طعم في الأواني التي استلمتها من المنظمات الإنسانية، تحلم ثريّا بالعودة إلى عفرين وترسم الأمل علّه يتحقق يومًا.

ثريّا “إن عدت إلى عفرين سآكل ترابها، هي ترابنا فقط، هي التراب التي عشنا وكبرنا عليها”.