ساندي.. طفلة يتيمة في معتقل داعش

أكرم صالح

الرقة

 

“كانت ابنة أخي الطفلة تُعرَفُ في الحيِّ بجمالها، لذا كانوا يسمّونها “بطّة”. كانت شقراء وناصعة البياض. اختطفها داعش وحتى الآن لا نعلم عنها شيئًا.”

ساندي المحمود

تعيش عائشة المحمود مع ابنتها في الرقة. توفي شقيقها عام 2003 تاركًا خلفه زوجةً وابنتين اثنتين هما ساندي ولين، وقد توّلت الأم والعمّة عائشة رعايتهما. تزوجت لين وعاشت رفقة زوجها مع أمها وساندي في البيت نفسه. في عام 2017، في تمام الساعة الثالثة من بعد منتصف ليل أحد الأيام، وحين كان أفراد العائلة نائمين، داهمت دورية ملثّمة تابعة لداعش البيت وقامت باعتقال ساندي وأمها ولين وزوجها. بعد شهرٍ من الاعتقال، أطلقَ عناصر داعش سراح لين وزوجها وأمها من السجن، وهددوهم بألا يتحدثوا عن الاعتقال واختطاف ساندي بتاتًا، وقالوا إنهم سيعاودون اعتقالهم إن تحدّثوا عن الأمر. تقول العمة عائشة: “كانت ساندي تبلغ من العمر /14/ عامًا حين اعتقلها عناصر التنظيم.”

قامت العمّة عائشة بالبحث عن ابنة أخيها ساندي، فقصدت كلَّ السجون في الرقة، وتوجّهت كذلك إلى مجلس شيوخ العشائر، عسى أن تتمكّن من تخليص الفتاة من إرهاب داعش. التقت بالكثير من أمراء وعناصر التنظيم، وعَلِمت أخيرًا أن التهمة الموجهة إلى ساندي هي تصوير مواقع ومراكز داعش. تقول عائشة: “هذه التهمة ملفّقة، لأن ساندي كانت طفلة ولم تكن تملك هاتفًا.”

تلقت عائشة وعودًا بأنه سيتمُّ الإفراج عن ساندي قبل شهر رمضان 2017 بخمسة أيام، إلا أن الوعود كانت كاذبة. كانت الرقة تشهد معارك عنيفة، وكانت المدينة على أبواب التحرير من قبضة داعش. أثناء المعارك التي اندلعت داخل المدينة، بقيت عائشة لفترة داخل المدينة إلا أنه لم يتمّ الإفراج عن ساندي، فاضطرت العائلة للنزوح إلى الريف بسبب اشتداد المعارك، ولم تَعُد إلى البيت إلا بعد تحرير الرقة بالكامل من قِبل قوات سوريا الديمقراطية.

خلال فترة الاعتقال، حاولت والدة ساندي مرارًا رؤية ابنتها، وكانت تسعى إلى إقناع أمراء داعش بأن تهمة ساندي ملفّقة. في نهاية المطاف، تمكّنت الأم من زيارة ساندي ولكن أيّ زيارة كانت! جلست الأم أمام ابنتها بحضور أحد أمنيي داعش، والذي حذَّرَ الأم من طرح أسئلة خارج المسموح به، وهددها بقتل ابنتها أمام عينيها إن تجاوزت حدود ما يُسمَحُ لها به. سألت الأم سؤالين فقط: “كيف حالك يا ابنتي؟ وما هي أخبارك؟” هنا بدأ الداعشي باستجواب ساندي أمام أمّها وإجبارها على الاعتراف. قال لها الأمني: “ألم تقومي بتصوير مواقعنا؟” فأجابته ساندي: “لا أملك هاتفًا، ولا أعرف كيف أصوِّر وأنتم بالضرب أجبرتموني على الاعتراف.” فانفجر الأمنيُّ غضبًا في وجهها في محاولةٍ لإجبارها على الاعتراف: “قلتُ لكِ، ألم تعترفي بتصوير مواقعنا؟” فردّت ساندي مذعورةً: “كما تريد، لقد قمت بتصوير مواقعكم.”

كان جمال ساندي وبالًا عليها

تؤكِّد العمّة عائشة أن جمال ساندي الأخّاذ كان يمنع داعش من إطلاق سراحها. كانت شديدة الحُسن والبهاء، وكانت طويلة القامة حتى أنها كانت تبدو أكبر من عمرها. تساور العمّة شكوك في تعرُّضِ ساندي للاغتصاب أو الزواج القسري، فتنظيم داعش يجيز كلَّ الموبقات كما تقول. ما يؤلِمُ العائلة هو المصير المجهول لابنتها، تقول عائشة: “لو عرفنا أنها ميتة لكنّا قلنا لأنفسنا إنها قد ماتت وهذا هو قبرها. مضى على اختطافها خمس سنوات دون أن نعلم عنها شيئًا.”

ما تزال العائلة تعيش رعب ما لاقته في المعتقل. تقول عائشة: “من شدة الرعب والخوف، لم تنجب لين أطفالًا منذ خمسة أعوام حتى الآن، وما تزال تعاني حالةً نفسيةً مزرية.”

تشتاق العمّة لساندي التي تحبّها جدًا، فهمي من ربّتها وأختها حين توفي والدهما. لا تملك حتى صورًا لها، فعند عودتها للبيت بعد تحرير الرقة، كان البيت مقلوبًا رأسًا على عَقِب، وكان عناصر داعش قد أقدموا على فتح ممراتٍ في جدران المنزل للتنقل بين البيوت والأحياء خلال المعارك.

وبسبب بحث عائشة المستمر عن ابنة أخيها، أعلمها أحد عناصر داعش أنه سوف يتم إقامة حدِّ القصاص عليها إن سألت عن ساندي مرةً أخرى أو حاولت التوسّط لإخراجها من السجن.

تعيش عائشة قهرًا لا تستطيع تجاوزه، حتى فقدت نحو نصف وزنها وهَزُلَ جسدها بسبب حزنها على ساندي.

رغم تيتّمِها والظروف الصعبة التي مرّت بها وهي طفلة، جاء داعش ليزيد من معاناة ساندي وعائلتها التي لا تنفكُّ عن السؤال عن مصيرها. أما هي، فقد سُلِبت طفولتها على أيدي أشخاص امتهنوا الوحشية والإجرام، ولم يكن لها من ذنب إلا حُسنها الذي اختلسه داعش ببشاعته وشناعته.