عربة غَزْل البنات.. كراتٌ زهريةٌ تعيل أمّ محمد

 

سيماف حسن

قامشلي 

يتناثر الغبارُ الزهريُّ الناتج عن صباغ “غَزْل البنات” على أصابع وثياب أم محمد. كانت حياتها أبعد ما تكون عن الحلم الورديّ، غير أنها تلوّنت بالورديّ حين قررتْ ألا تلتفت إلى محيطها الاجتماعي، وتحمل أعباء عائلتها المادية. إذ تجمعُ بين ثيابها التقليدية اليومية وثياب العمل، وتخرجُ ساعيةً إلى تأمين قوت بيتها.

ترفض بائعة “غزل البنات” أن تكشف عن وجهها كله، وتفضّل أن تعرّف نفسها بـ “أم محمد”؛ لأن ابنها الأكبر – برغم مضيّ عام على عملها هذا- لا يزال رافضاً إياه، إذ كان هو القائمُ بهذا الدور سابقاً قبل أن تُكسر يده ويفقد القدرة على العمل.

اعتمدت أم محمد على “غزل البنات” كمصدر للعيش منذ عام، حيث كانت تحضرّه وتغلّفه في البيت ليخرج أولادها لبيعه، ثم اشترت الآلة وبدأت بالبيع قرب الحدائق وأماكن تجمّع الأطفال.

يعتبرونه عمل الرجال

يعتبرُ المحيطُ الاجتماعي لأم محمد أنّ عملها محصورٌ بالرجال فقط “نحن أيضاً نستطيع العمل كالرجال، على المرأة أن تساعد زوجها على تأمين قوت البيت”.

وتحكي عن طفولتها قائلةً إنّ التنشئة الأسرية رسّخت مفهوم إناطة أعمال بالرجال وأخرى بالنساء، ما أدى لإحجام بعض النساء عن العمل لمساندة المعيل، خاصةً في حال تعرّضه لمكروه.

تعلّمتْ أم محمد صنع “غزل البنات” بعد زواجها عن طريق اليوتيوب، وباشرت العملَ عندما قلَّ دخْل زوجها الذي لا يزالُ عاملاً مياوماً.

أدوارٌ مكرّرة في أسر تُعيلها النساء

وكسرت نساءٌ في مدينة القامشلي هذه الأنماط سابقاً، فزاولت بعض النساء مهناً مثل: العتالة، وسواقة سيارات الأجرة، وتصليح الأجهزة الإلكترونية، فضلاً عن أخريات يدرن أعمالاً ومشاريع صغيرة. إلا أن الأدوار في العائلات التي تعيلها النساء لم تتغير، بل تضاعفَ العبءُ بأعمال داخل البيت وخارجه.

إذ تخرج أم محمد صباحاً – بعد تحضيرها الفطور – لشراء مُستلزمات بيتها، ثم تعدُّ الغداء لزوجها وأولادها الثلاثة.. تخرجُ عصراً بعربتها لبيع “غزل البنات”، لتعودَ مساءً وتكمل أعمالها المنزلية.

ترى أم محمد أن حالتها خاصة “لا بنات لديّ لذلك أضطر وحدي إلى القيام بالأعمال كلها ” وتردف “بعض الناس يحترمون عملي، والبعض الآخر ضده”.

حلم أكبر من العربة

العمل الذي بدأ من المنزل كبر ليتحول لعربة، ورغم أن العربة المحاطة بكرات “غزل البنات” الوردية هي مصدرُ رزق العائلة، إلا أنَ حلم أم محمد أكبر من هذا.

تقول “أتمنى أن تساعدني ظروفي على البدء بعمل أكبر. بدأتُ من ماكينة صغيرة، وثم اشتريت أخرى أكبر، والله أعلم بالغد”.