فليعد لأفديه بعمري

 

أكرم صالح

 

سرقوا منّي طفلي، قالوا سنعيده خلال ساعات، وها قد مرّت سبعة أعوام. ما يزال ابني حيًّا؛ هذا ما يحدّثني به قلبي دومًا. أرى طيفه، وأراه يرتمي في حضني. فليعد وسأفديه بعمري.

عن الأم

روزا صالح، امرأة ستينية، تتحدّرُ من بلدة الهول شرق حسكة. في عام 2015، اختطف تنظيم داعش ابنها صالح الذي كان يبلغ من العمر 17 عامًا. داهمت دورية تابعة للتنظيم البيت عند غروب الشمس واقتادته إلى جهة مجهولة. “إلى أين تأخذون ابني؟”، سألت الأم بفزع، فجاءها الجواب من أحد عناصر الدورية: “سؤال وجواب وسنعيده لك.” مضت سبعة أعوام على غيابه دون أن تعلم العائلة شيئًا عن مصيره إن كان ميتًا أم حيًّا. بحثت الأم كثيرًا عن ابنها، وطرقت أبواب كلَّ سجون داعش من حسكة إلى دير الزور، لكن دون جدوى.

في اليوم الثاني من اختطافه، توجّه الأب إلى سجن بلدة الهول ليسأل عن ابنه، لكن عناصر داعش لم يقرّوا بوجوده لديهم. أرسل صالح، فيما بعد، رسالةً إلى أهله عن طريق شخص خرج من السجن، قال فيها: “أنا الآن في سجن الشدادي، وقد بقيت سبعة أيام في سجن الهول.”

توجّه الأخ الأكبر لصالح إلى سجن الشدادي ليسأل عن أخيه، فأخبره عناصر التنظيم أنه ليس معتقلًا عندهم، وهددوه بالاعتقال إن أتى إلى الشدادي مرةً أخرى.

أكملت الأم رحلة البحث عن ابنها: تارةً تجول مناطق سيطرة داعش وتارةً أخرى تلجأ إلى قوات الحكومة السورية علّها تحصل على معلومةٍ ما. دفعت الكثير من المال في رحلة بحثها، إلا أن جميع الطرق كانت مسدودة في وجهها، فلم يبقى لها إلا الدعاء.

بعد اختطافه بشهر، تحرّرت مدينة الهول من قبضة داعش وبقي صالح في سجن الشدادي دون أن ترد أيُّ معلوماتٍ عنه حتى اليوم.

عن الفقد والأسى

منذ لحظة اختطاف صالح وعينا والدته تتوقان شوقًا لرؤيته. لا تريد شيئًا من الحياة سوى عودة ابنها، فمع غيابه تفكّك شمل العائلة، وظلّت الأم في حالة حزنٍ وأسى. تقول: “لو أعرف أنه سيعود، سأفديه بحياتي ليعود.”

كانت الأم تتفقد ملابس ابنها يوميًا حتى تحوّلت تلك الملابس إلى ذكرى تثقل كاهلها وتزيد من أحزانها، إلى أن قامت ابنتها بإخفاء ملابس أخيها صالح عن والدتها. تقول وهي تذرف الدموع: “أرى خياله أمام باب البيت. يقتلني الشوق إليه.”

أحيانًا يراودها شعورٌ بأنه ما يزال على قيد الحياة، وأحيانًا تقول لنفسها إن التنظيم قد قتله، لكن ذلك لا يبعد طيفه عن أحلامها.

تتذكّره وهو يضحك؛ كان صالح مازحًا وضحوكًا على حدِّ وصف الأم. كان له الكثير من الأصدقاء. تتألم الأم كلّما رأت أحدهم؛ إنهم يحفرون في جروح ذاكرتها عميقًا.

كغيره من المختطفين، اتهم التنظيم صالح بالعمالة. تقول الأم: “لو أنه قاتل مع داعش لما رغبتُ بعودته، لكنه كان بريئًا واختطفوه من البيت.”

تعيش العائلة اليوم وضعًا اقتصاديًا مزريًا، وينفق الابن الأكبر على بيت أبيه وأسرته معًا، وهو ما يشكِّل ضغطًا كبيرًا عليه.

منذ غياب صالح، خيَّمَ الحزن على العائلة التي ما تزال تعيش على أمل رؤية الابن المفقود. تعيش الأم لوعة الاشتياق وتريد خبرًا عن ابنها، فيما يردد الأب باستمرار أن ابنه ما يزال على قيد الحياة وسيعود إلى البيت يومًا ما… سيعود وإن طال الانتظار.