لا اختلاف في الألفة
شيرين صالح
ريف قامشلي
تاريخٌ مغمورٌ بذاكرة الردى والأسى أثناء الإبادة الجماعية التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحق الأرمن والسريان عام ١٩١٥، فالتجأت قرابة خمسين عائلة سريانية بقرية “شلهومية” في ريف قامشلي في شمال شرقي سوريا، على بُعدِ عدة كيلومترات عن الحدود التركية-السورية. سكنوا القرية بعد أن تعاون أهاليها الكرد معهم في بناء البيوت، وبعدها بنوا كنيسة عام ١٩٥٠ من الطين آنذاك، ورمموها بعد عدة سنوات، وقبل أربع سنوات بنوا كنيسةً جديدةً بالتعاون مع المغتربين وأهالي القرية، ووضع مطران مطرانية الجزيرة والفرات للسريان الأرثوذكس، مارموريس عمسيح، حجر أساس كنيسة السيدة مريم العذراء. يتكلَّمُ مختار القرية عباس شيخي قائلًا: “اعتدنا اختلاف عاداتنا وتقاليدنا، وتجمعنا أخوّة ومودّة منذ أكثر من مئة عام، فاختلافنا لم يمنع أجدادنا من حماية خمسين عائلة ومساعدتهم في الهروب من المجازر التي ارتُكِبت بحق الأرمن والسريان، والعيش معنا بأمان بعيدًا عن المذابح والموت.”
اعتاد المسيحيون السريان على عادات الكرد إضافة إلى الإيزيديين الذين سكنوا القرية قبل الهجرة التي توالت طيلة السنوات الماضية. تربط هذه التعددية الإثنية-الدينية روابط “الكريف” أو “الإشبين”، وتطوّرت علاقاتهم مع الزمن واستمرّت حتى بعد الهجرة وذلك بالتواصل على مواقع التواصل الاجتماعي. يعتمدُ المختار عباس على جاره و”كريفه” السرياني شمعون كورية في مسائل الزراعة، إذ يتلقى مساعدته في الحصاد عبر آلياته الزراعية، فيقول: “اعتمد على شمعون في الحصاد وكذلك في الأيام العصيبة مثل مناسبات العزاء، فمثلًا، أعدَّ شمعون وجبة الغذاء أثناء وفاة أخي قبل سنة، ونحن أيضًا نقوم بالواجب ذاته دون تردد، هذا ما ألفناه.”
نتيجة الهجرة، تضمُّ القرية اليوم خمس عائلات مسيحية وكردية، ويتكلَّمُ أهلها السريانية والكردية إضافةً إلى العربية، ويقول شمعون: “حين يتكلَّمُ أطفالنا السريانية يردُّ عليه جيراننا الكرد بالسريانية والكردية حتى يتعلّم اللغتين معًا، وأحيانًا يتكلّم أحدهما بالكردية ويردُّ عليه الآخر بالسريانية، أضحت لغتانا المختلفتان لغةً واحدةً.”
على الرغم من تباين الدين، يجتمع الكرد والسريان في مناسبات الأعياد والأفراح بالمودّة، فيمارسون طقوس الأعراس في الكنيسة معًا. يقول شمعون في ذلك: “نتبادل أنا وأصدقائي الكرد الهدايا في مناسبات الزواج، فنقدِّمُ لهم لوحات عليها آيات القرآن الكريم، ويهدينا أصدقاؤنا الكرد الإنجيل دون أن يشكِّل هذا الاختلاف عائقًا أو يخلقَ حقدًا أو تطرّفًا كما يحصل في هذه الأيام.”
لم يتأثّر الكرد والسريان باختلاف الدين والقومية واللغة عبر السنوات الماضية التي أنهكتها الحروب بداعي التطرّف وبذريعة الدين، إذ ظلّت هذه القرية تحيا سكينة عادات أهلها وتقاليدهم التي باتت مشتركةً وواحدة؛ كلٌّ منهم يمارس دينه وطقوس أفراحه وأعياده ويتشارك مع الآخرين بها، فيقول شمعون في هذا الصدد: “في أعيادنا المسيحية والمسلمة نوزع السكاكر والبيض الملوّن معًا، في عيدي الأضحى والفصح، ولا يعرف الأطفال الفرق بينهما.”
يشترك الكرد والسريان في قرية “شلهومية” في زراعة الأرض وتربية الماشية، ويعيشون التآلف والتكاتف مذ كان عدد عائلاتهم /٣٨/ عائلة قبل سنوات الهجرة المتتالية في الماضي.