ما الذي يدفع بعض الشباب البريطانيين للالتحاق بتنظيم داعش في سوريا؟

جنَّدَ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في سوريا آلاف الشباب، إناثًا وذكورًا، ومن بلدان أوروبية مختلفة، فأصبحت ظاهرة مشاركة الشباب في هذا التنظيم الجهادي السلفي ذي الفكر المتطرّف واقعًا ملموسًا، وخاصةً بين الأشخاص الذين ولِدوا في أوربا. فعلى سبيل المثال، ووفقًا لأجهزة الأمن البريطانية، منذ بدايات الصراع في سوريا، سافرَ نحو 900 بريطاني من المملكة المتحدة إلى سوريا، ووصل معظم هؤلاء عبر الأراضي التركية والتحقوا بداعش. بالإضافة إلى وجود عدد من الفتيات البريطانيات اللواتي سافرن إلى سوريا وفضلّنَ العيش في ظلِّ “خلافة داعش”.

وهنا يمكننا طرح السؤال الرئيسي التالي: كيف غدا هؤلاء الشباب متطرّفين وهم يعيشون في ظلِّ نظامٍ ديمقراطي؟ بمعنى آخر، ما الذي دفع بهم إلى الهروب من بلدانهم المتقدّمة والغنيّة والتي تعيشُ في كنف الحرية والحياة الديمقراطية والانضمام إلى داعش؟ يمكننا أن نقول، مع وجود دافع الإثارة في الانضمام إلى داعش، شعرَ هؤلاء فجأةً أنهم محطّ اهتمام العالم. وبالنسبة للفتيات المراهقات، فقد ظننَّ أنهنَّ سيعشن حياةً رومانسيةً لكنهنَّ أصبحن فيما بعد “عرائس” لعناصر داعش. يمكن التماس العوامل السياسية، والشخصية، والاجتماعية المحتملة، كدوافع قادت هؤلاء الأشخاص نحو الهروب من بلدانهم الأصلية والالتحاق بتنظيم داعش، على الشكل التالي:

** بعض القصص التي رواها أشخاصٌ كانوا جزءًا من هذه الجماعات الجهادية، إذ كان تأثير شبكات التواصل الاجتماعي واضحًا وكبيرًا عبر استخدام منصات “تويتر”، و”إنستغرام”، و”واتساب”، و”يوتيوب”، و”فيسبوك” وغيرها.. للتواصل الخاص كمصدرٍ للدعاية لداعش، فهم عادةً ما يقدّمون النصائح والدعم للسفر، ويحاولون إقناع الناس بالسفر وعيش حياة مثالية في ظلّ “الخلافة الإسلامية” النقيّة وممارسة “الإسلام النقي” في كنف الشريعة الإسلامية على حدِّ تعبيرهم. فعلى سبيل المثال، سافرت بعض النساء من المملكة المتحدة إلى سوريا للالتحاق بأزواجهن الجهاديين ولكي يصبحن “عرائس جهاديات”، وقد تزوّجنَ بالفعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي تُعتَبَرُ جزءًا من منظومة التجنيد. وقد أوضحت تارينا شاكيل (Towie jihadi) في مقابلتها الأخيرة مع إذاعةBBC البريطانية أنها قررت السفر مع ابنها البالغ من العمر عامًا واحدًا إلى سوريا بهدف الانضمام إلى داعش حين كانت تقضي عطلتها على أحد شواطئ تركيا عام 2014. لقد استخدمتها داعش في برامج دعاياتها وتمَّ تصويرها في الرقة (معقل داعش السابق) وهي ترتدي أقنعة داعش مع ابنها وهو يحمل السلاح. كما استخدمت برنامج “تويتر” بهدف تشجيع الآخرين للانضمام إلى داعش. وكانت المرأة البريطانية الوحيدة التي اعتُقِلت لمدة ست سنوات بعد عودتها من سوريا. وإلى جانب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي كمنصةٍ رئيسيةٍ لإغواء الشباب البريطانيين المسلمين، هناك عوامل أخرى أثّرت على الشباب للالتحاق بداعش. فعلى سبيل المثال، قد يكون لسوء العلاقة مع الوالدين أو أفراد العائلة دورٌ مهمٌ في دفع الشباب نحو الإرهاب. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يكون لضغط الأصدقاء والأنداد وتأثير المسنين من المسلمين في بريطانيا دورٌ فعّالٌ ونشط في دفع الشباب نحو التطرّف. وقد تتحوّل المدارس والمساجد إلى مراكز يتلقى فيها الشباب التعليم والمعرفة الدينية بشكلٍ لا يؤدي دورها المطلوب في التدريس وتمثيل طبيعة الإسلام ويجرّدها من القدرة على التصدي للعنصرية وسوء فهم الإسلام الحقيقي المعتدل.

وفقًا لأجهزة الأمن البريطانية، منذ بدايات الصراع في سوريا، سافرَ نحو 900 بريطاني من المملكة المتحدة إلى سوريا، ووصل معظم هؤلاء عبر الأراضي التركية والتحقوا بداعش.

 

**على الرغم من حقيقة أن الدين الإسلامي هو ثاني أكبر ديانة في المملكة المتحدة، ويُقدَّرُ عدد المسلمين بأكثر من ثلاثة ملايين مع وجود أكثر من ألفي مسجد في جميع أرجاء المملكة تفتح أبوابها للعامة؛ نجدُ أن الشبّان البريطانيين المسلمين يفتقرون إلى الثقافة الدينية ولم يطِّلعوا على جميع المفاهيم الأساسية للإسلام، بل اعتقد الكثير من الشبّان المنضمين إلى داعش أنهم يفعلون شيئًا جيدًا، كما اعتبروا ما يفعلونه واجبًا دينيًا، وظنّوا أن الله سيكافئهم عليه. كان مفهوم المكافأة في الجنة والحياة الآخرة عاملًا دينيًا أساسيًا آخر لتشجيع الشباب المسلمين البريطانيين على الالتحاق بداعش، إذ ادّعى هؤلاء أنهم “جنود الله”، ويحاربون “أعداءه”، وقد “يستشهدون” في سبيل ذلك. إضافةً إلى ذلك، غالبًا ما يفسّر السلفيّون الجهاديّون القرآن بشكلٍ غير صحيح لدوافع سياسية وإيديولوجية، حيث يعتبرون مفهوم الجهاد “حربًا مقدسةً”، وهذا المصطلح عندهم مرتبطٌ بالحرب والمعركة والعنف والقتال.

**يتميّز المجتمع البريطاني بأنه مجتمع متعدد الثقافات ومتنوّع، لذلك فإن حكومة المملكة المتحدة تشجّع المهاجرين على اعتناق القيم البريطانية وتسهّل الاندماج لكافة المجتمعات المتنوعة. مثلًا، تروّج الحكومة لتعلّم اللغة الإنكليزية لمعالجة عدم المساواة والإقصاء والفصل العنصري في المدارس وأزمة الهويّة. وبالرغم من ذلك، نجدُ بعض المسلمين البريطانيين يبالغون في التمسّك بهويتهم الاجتماعية والثقافية والدينية، وقد يعانون من مشكلة العزلة والفصل. وربّما يشعرُ بعضهم بالضياع ويتشبثوا أكثر بهويتهم وانتمائهم ويسعوا إلى إيجاد ضالّتهم في الدين. هنا يمكن أن يصبحوا ضحايا وأهداف سهلة للتنظيمات الإرهابية مثل داعش، وخاصةً الجيلين الأول والثاني من المسلمين الذين يعيشون في المملكة المتحدة. إلى جانب هذا، البعض من الشباب سريعي التأثر والضعفاء والبريئين تعرّضوا لعملية غسل دماغ من قبل داعش وظنّوا أنهم ذاهبون إلى سوريا لدعم ومساعدة الناس هناك.

قد يكون لسوء العلاقة مع الوالدين أو أفراد العائلة دورٌ مهمٌ في دفع الشباب نحو الإرهاب.

 

بالمحصلة، شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا في نسبة ظاهرة الإسلاموفوبيا، وصعود التنظيم اليميني المتطرّف في جميع أرجاء أوروبا، وازدياد خطاب الكراهية نتيجة الأعمال الإرهابية والعمليات الانتحارية بالقنابل من قبل أعضاء داعش. وفي الوقت نفسه، كان هناك الكثير من المسلمين الذين كانوا ضحايا لأعمال وجرائم الكراهية، وشعروا أنهم لا ينتمون إلى المجتمع الغربي. كما تعرّض البعض منهم لكلمات عنصرية يمكن أن تكون أيضًا دافعًا مشجِّعًا أدى إلى انتساب الشباب المسلمين إلى داعش. مثلًا، ظنَّ البعض من المسلمين أن القادة السياسين الأجانب في العالم قد أساؤوا إلى الأمة الإسلامية. وبالتالي فإن الجماعات الإرهابية مثل داعش تحاول أن تستخدم هذه العوامل في ضمِّ الشباب وتحاول أيضًا استخدام معاناة المجتمع الإسلامي وحقيقة أن المسلمين يُقتلونُ في أنحاء العالم وبالأخص في سوريا. يمكن لهذه العوامل أن تدفع بالشباب إلى الإرهاب والالتحاق بداعش. ويمكننا القول إن كلَّ هذه العوامل المذكورة أعلاه، من عوامل سياسية واجتماعية وشخصية، تساهم في انضمام الشباب إلى التنظيمات الإرهابية وتحويل بعض الشباب المسلمين البريطانينن إلى إرهابيين.