مركز “هلات” لرعاية وتأهيل أطفال داعش

 

أكرم صالح

 

برزت فكرة تأسيس مركز “هلات” لرعاية وتأهيل أطفال داعش بناءً على مقترحٍ قدَّمتهُ وحدات حماية المرأة (YPJ)، وتمَّ إنشاؤه بالتعاون مع التحالف الدولي لمحاربة داعش.

يضمُّ هذا المركز الذي يقعُ في مدينة حسكة شمال شرقي سوريا، نحو /60/ طفلًا من /14/ جنسية أجنبية مختلفة، وجميعهم يتحدَّرون من دول أوربا وشرقي آسيا وشمالي أفريقيا، إلا أن هذه الأعداد غير ثابتة، فهي قابلة للزيادة، ويبقى ذلك بحسب الإجراءات المُتّخذة ضمن مخيّم الهول، فأعمار الأطفال ومستوى الرعاية هو ما يحيلهم إلى هذا المركز. يعملُ مركز “هلات” على إعادة تأهيل الأطفال فكريًّا، للتخلُّصِ من الأفكار المتطرّفة التي تلقوها خلال فترة حكم داعش والتي يتلقونها حتى اليوم من أمّهاتهم.

 

المركز كمدرسةٍ تأهيلية

يبدأ دوام الأطفال في مركز “هلات” من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الرابعة عصرًا، تتخللها فترة استراحة الغداء ساعة واحدة. كما يقدِّمُ المركز الرعاية الصحية للأطفال، إذ يتمُّ تقسيم أوقات الدوام وفق حصصٍ تعليميةٍ تتناول أنشطة مختلفة. كما يتمُّ اعتماد مناهج تعليمية قدّمتها منظمات دولية، وتحتوي تلك المناهج على دروس الرياضيات وأساسيات الحساب، والأبجدية العربية والإنكليزية، بالإضافة إلى الرسم والأعمال اليدوية الورقية، وحصص لمشاهدة الأفلام الكرتونية. ورغم بساطة هذه المناهج، إلا أنه يتمُّ اعتمادها لأن الأطفال، رغم كِبر سنِّ الكثير منهم، لم يتلقوا أيّ تعليمٍ وكانوا عرضةً لتلقي الأفكار التكفيرية فقط.

يقوم مركز “هلات” باستقبال الأطفال من سنِّ السنتين إلى /13/ سنة، وبعد بلوغهم /13/ عامًا، يتمُّ تحويل الأطفال الذكور إلى مركز “هوري”، وهو أيضًا مركزٌ متخصصٌ برعاية وتأهيل أطفال داعش.

 

ما بين الطفولة والتطرّف

بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي في مركز هلات، يعودُ الأطفال إلى أمّهاتهم، حيث تقبعُ أمّهات هؤلاء الأطفال في مركز احتجازٍ يقعُ تحت حراسة قوات سوريا الديمقراطية، وبحسب بروين العلي، وهي مديرة مركز “هلات”، فإن هذه الأمّهات أجنبيات (أي أنّ كلَّهنَّ مهاجرات وفقًا لتسمية داعش، وهنَّ النساء اللواتي انضممن إلى داعش من خارج سوريا والعراق)، كما كانت هذه الأمّهات قائداتٍ في جهاز الحسبة (الجهاز الأمني التابع لداعش). وتضيف بروين أن بعض هؤلاء النساء شاركنَ في القتال والحروب، وأظهرت نتائج التحقيقات أن أيديهنَّ قد تلطّخت بالدماء.

يعيش هؤلاء الأطفال ازدواجيةً صعبة، فخلال فترة الدوام في المركز هناكَ تعليمٌ وتلفازٌ وأنشطةٌ تسترجع لهم طفولتهم، وبعد العودة إلى أحضان أمّهاتهنَّ يكون كلُّ ذلك مرفوضًا، حتى الألوان الزاهية مرفوضة، فالطفولة تُبادُ في أحضان هؤلاء الأمّهات، حتى أن بعض الأطفال حين يأتون إلى المركز في اليوم التالي تظهرُ عليهم آثار كدماتٍ من شدّة الضرب من قِبل الأمهات في محاولةٍ للضغط عليهم لعدم تقبُّلِ أفكار المركز. وبحسب إدارة المركز، حين تلاحظُ الأمُّ تغيّرًا في نمط وسلوك طفلها، تحاول إبعاده عن المركز وعدم إرساله مرةً أخرى، حتى وصلَ الأمر إلى رفض بعض الأطفال العودة إلى أحضان أمّهاتهن.

تعاني إدارة المركز والمدرِّسات من هذه الازدواجية في التعليم والتلقين، فكلُّ ما يتمُّ تعليمه صباحًا، يذهبُ في مهبِّ الريح ليلًا، إذ طالبت إدارة مركز “هلات” مرارًا وتكرارًا بوجوب بقاء الأطفال داخل المركز، حتى أنَّ المركز قام بتجهيز غرف منامة للأطفال، لكن تبعًا لمعايير حقوق الطفل ووجوب عدم فصلِه عن حضن أمّه، يرفض التحالف الدولي وكذلك المنظمات الدولية بقاء الأطفال داخل المركز، وهو ما يؤثِّر سلبًا على سير العملية التعليمية للأطفال، فالطفل يعيش حالة تضادٍ في الأفكار؛ بين أن يصدِّق المدرِّسة في المركز أو أن يصدِّق أمَّه في مركز الاحتجاز.

 

الطفل الصغير يخاف من الآخر الكبير

إحدى المشاكل التي تواجهها إدارة المركز بشكلٍ مستمر هو خوف الطفل الصغير من زميله أو أخيه الكبير، إذ يعمدُ الطفلُ الكبير إلى فرض سطوته وسلطته وآرائه على الآخر الصغير، ويأتي ذلك مما تلقوه خلال تنشئتهم إبان فترة حكم داعش وما يتمُّ تلقينهم إيّاه خلال فترة بقائهم مع أمّهاتهم، فبحسب إدارة المركز، حين يأتي الطفل إلى المركز أوّل مرة، يخشى ممارسة نشاطاته ويتجنَّبُ إلقاء التحيّة على المدرِّسات أو الاندماج معهنَّ في العملية التعليمية خوفًا من أخيه الأكبر، ففي الكثير من الأحيان يتصرَّفُ الطفل مع المدرِّسات على أنهنَّ غريبات وعدوّات ينبغي عدم التعامل معهنَّ.

 

صعوبةٌ في التواصل

تعاني المدرِّسات في مركز “هلات” من صعوبة التعامل والتواصل مع الأطفال، إذ يتحدَّرونَ من جنسياتٍ مختلفة وكلُّ طفلٍ منهم يتكلَّم بلغةٍ معينة، وحتى من يتقنُ العربية منهم، تكون لغتهُ العربية ضعيفة وكلماتها خليطٌ من العربية ولغته الأم، حينها تضطر المدرِّسة أحيانًا إلى التعامل مع الطفل بلغة الإشارة، أو اللجوء إلى شبكة الإنترنيت لترجمة جملةٍ ما للتحدُّثِ مع الطفل، مع محاولاتٍ من المدرِّسات لتعلُّمِ لغة الطفل للتقرّب منه.

كما أنَّ هناك مصطلحات وتسميات يتمُّ تلقينها لهؤلاء الأطفال من قِبل أمهاتهم، وهي عبارة عن مصطلحات خاصة بمنظومة داعش، تحوي كمًّا هائلًا من العنف والتطرّف، إذ يحاولُ المركز من خلال الأنشطة استبدالها بكلمات وتعابير أخرى تتعلّق بالطفولة وما يتمُّ تدريسه في المركز.

 

أشبال الخلافة

في منظومة داعش، كان الطفلُ الذي يتجاوزُ سبع سنوات (وخاصةً أطفال المهاجرين من الأصول الأجنبية)، يُقتاد إلى ساحةٍ تُسمّى بـ”ساحة الإعدامات الميدانية”، ويتمُّ زجُّهُ في صفوف ما يُعرفُ بـ”أشبال الخلافة”، وهو تنظيمٌ داعشيٌّ مسلّح قِوامه الأطفال. يتمُّ تدريبُ هؤلاء الأطفالِ على حملِ السلاح وإطلاق النار، بالإضافة إلى طريقة قطع العنق بالسيف أو السكين كما ظهرَ في عدة إصداراتٍ مرئية لداعش. تقول بروين إن مركز “هلات” توصَّل إلى نتائج تفيدُ بأنَّ هناك بعض الأطفال في المركز قد شاركوا في عمليات قتل وإعدامات ميدانية، فالأطفال الذين بلغوا من العمر تسع أو عشر سنوات، مرّوا بهذه التجربة القاتمة أو على الأقل شاهدوا رؤوسًا مقطوعةً أو كانوا شاهدين على عمليات إعدام.

وتروي بروين قصة أحد الأطفال بالقول: “في إحدى المرّات، قدَّم المركز وجبة دجاج للأطفال، فطلبَ الطفل (م) من إدارة المركز تقديم دجاجةٍ حيّة له كي يقوم بذبحها بنفسه، وذلك كي يكون أكلُ الدجاجة حلالًا بحسب توصيفه.” حاولت بروين تغييب فكرة الذبحِ عن ذهنه، وقالت له إنه طفلٌ ولا يستطيع ذبحَ دجاجة، فأجابها الطفل ضاحكًا: “لقد قتلتُ رجلًا، فكيف لا أستطيع ذبح دجاجة؟!”

 

تهديداتٌ بالقتل

تتلقى إدارة مركز “هلات” على الدوام تهديداتٍ بالقتل، من خلال التعليقات على صفحات المركز على مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر الاتصالات الهاتفية، مع اتهاماتٍ داعشية بمحاولة تغيير دين الأطفال، إلا أن بروين توضِّح أنّه ليس هناك شيءٌ من هذا القبيل، فمعظم الأنشطة تتعلّق بالطفولة وإعادة التأهيل فقط.

وحين تمَّ افتتاح المركز، حضرَ عددٌ من المسؤولين والعامّة مراسم الافتتاح، فهمسَ أحد الأطفال في أذنِ صديقه قائلًا: “لو كان بيدي سيفٌ لكنتُ ذهبتُ إلى الجنة فورًا.”

وهناكَ أيضًا بعض الأطفال الذين جاؤوا حديثًا للمركز، وقاموا بمحاولة ضرب المدرِّسات بسبب عدم ارتدائهنَّ للنِقاب.

تُنهي بروين حديثها بالقول: “يكرهُ معظمُ الأطفال الرسومات التي تظهرَ فيها الأعين لأنّها -وفقًا للأفكار الداعشية- لا تملكُ روحًا، وهو ما يخالفُ قواعد داعش، وقد حاولَ الأطفال تخريب الرسومات الظاهرة على الجدران، وحين قدَّم لهم المركز الأحذية والألبسة، قاموا برفضها في البداية بسبب الألوان الزاهية الكثيرة وظهور أعينٍ في الرسومات.”