منذ سنوات وأنا أنتظر أبي
شيرين صالح
قامشلي
اهتزّ حي الوسطى في مدينة قامشلي، شمال شرقي سوريا، في 22 أيار/مايو 2016، إثرَ تفجيراتٍ بقنابل يدوية، من قِبل إرهابيين، استهدفوا مدنيين من الأغلبية المسيحية. وذهب ضحية العملية هذه ثلاثة مدنيين، وجُرح أكثر من عشرة أشخاص. وقد تبنى تنظيم داعش هذه العملية الإرهابية.
إحدى الضحايا كان المواطن توما إيليو، إذ كان يعمل في محله لبيع البوظة؛ إرهابٌ شوّه هدوء الحياة في الحي، ودُمّرت بعض المحالّ في أقل من نصف ساعة. ويعدّ موقع الحادثة عصب الحياة في الحي؛ إذ إنه يحوي العديد من المطاعم والمقاهي. ابنه دانيال الذي أصيب بجروحٍ بليغة في قدمه وشظايا في معظم جسده، يتحدث عن الفاجعة مغتصّاً، والحزن يحزُّ في نفسه: (شبّانٌ مخمورون في العشرينيات من أعمارهم، كانوا مرتدين أحزمة ناسفة، ويرمون قنابل يدوية، ويطلقون الرصاص على الناس)
توفي توما بقنبلة يدوية بعد إصابته بنزيف داخلي، ومعه كلٌ من جورج وكرم، فقد فجّر أحدهم نفسه أمام محلٍ لبيع الألعاب، بحسب دانيال، والثاني في مطعم ميامي، فيما الثالث فجر نفسه وسط الشارع بجانب شجرة الميلاد. يتابع دانيال مستذكراً ما حصل بكربٍ: (توجعني اللحظة التي رأيت فيها أبي والدمُ ينزف من أذنيه وفمه، يؤلمني مشهد جورج غارقاً في دمه؛ مصاباً بخمسين رصاصة).
لم يكن من وقتٍ للإسعاف أو لإنقاذ الضحايا، كما يقول دانيال. ثلاثة انتحاريين كانوا في عجالة إلى القتل والتدمير والانتحار. لم يستوعب الناس الحدث؛ تفجيراتٌ مفاجئة، إطلاق رصاص، أدخنةٌ تملأ المكان، كل ذلك وسط ضجيج وعويل الناس. يتابع دانيال سرد الحادثة وكأنها حدثت أمس: (لحُسن الحظ أنّ الانتحاريين كانوا مخمورين وإلّا لقتلوا كثيراً من الناس، لكن أتساءل: كيف لهم أن يقتلوا أنفسهم بهذه الطريقة الشنيعة؟ وأن يرموا قنبلة على سيارة للأجرة، فقدَ سائقها قدميه على الفور وقتها. ألا يعلمون أن الله يحاسب قاتل النفس؟)
في كل صباح ينتظر دانيال لا شعورياً أباه، ليذهبا معاً إلى العمل، فيلتقيان في مناماته، ويوصيه بوالدته وطفليه. منذ خمس سنوات ينتظره، ويلتقي بروحه وكأنّه حي.
في العام ذاته، وفي الحي ذاته قرب حديقة الكندي، يفجّر انتحاري نفسه، عقب زيارة البطريرك مار أغناطيوس أفرام الثاني. هذا وقد سبق أن تعرّض حي الوسطى إلى ثلاثة تفجيرات عشية ليلة رأس السنة في كانون الأول/ ديسمبر 2015، وأسفرت عن مقتل ستة عشر شخصاً وجُرح العشرات من المدنيين. وذلك بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.