من مقاعد الدراسة إلى سجون داعش
أكرم صالح
ذرفت الكثير من الدموع حتى أصاب الضعف بصرها. بحثت كثيرًا، كمن يفتِّش عن إبرة في كومة قش، لكنها لم تصل لمبتغاها؛ لم تعثر على أثرٍ لابنها. التجأت للدعاء ووكّلت أمرها لله. بالنسبة لها، كان عادل يمثّل كلّ شيء.. ليته يعود للمنزل، تقول بتحسّر؛ ليته يُقبل عليها بعد سبع سنوات من الغياب والأسى.
مُعتَقَلٌ في ريعان شبابه
عادل السلمو، شاب يبلغ من العمر 22 عامًا، من قرية مزرعة الخيري بريف بلدة الهول التابع لمدينة حسكة شمال شرقي سوريا. كان يدرسُ في معهد الحاسوب في حسكة، وكان من المتفوقين في المعهد، وقد أتاح له تفوّقه فرصة التسجيل في كلية الهندسة المعلوماتية في العاصمة دمشق. اتّجه عادل للسفر برًا إلى دمشق. أراد الذهاب لزيارة بيت أخته في الشدّادي قبل السفر، لكنّه لم يكن يعرف جغرافية الشدادي جيدًا. طرقَ باب أحد سكان المدينة كي يدلّه على الحيّ الذي تسكنه أخته، وجلسَ في بيت ذلك الشخص مدة عشر دقائق وإذ بدوريّةٍ تابعة لداعش تداهم البيت وتعتقله. لاحقًا، علمت العائلة أن ذلك الشخص الذي استقبل عادل كان رجلًا أمنيًا تابعًا لتنظيم داعش. أراد فواز، والد عادل، الاطمئنان على ابنه، لكن شبكة الهواتف النقّالة كانت مقطوعة عن المنطقة برمّتها آنذاك. فانتظر أن يصل ابنه إلى دمشق حتى يتواصل معه عن طريق الإنترنت. يقول فواز: “لم أسمع بنبأ اختطاف ابني إلا بعد يومين.” قصدَ الأب الشدادي وبدأ بالسؤال عن ابنه، إلى أن عرف مكان اعتقاله في إحدى سجون داعش، لكنه لم يصل لأي معلومة حول سبب الاعتقال. وطلب منه عناصر داعش عدم المجيء لذلك المكان مرةً أخرى وعدم السؤال عن عادل، لكن الأب استمر بالاستفسار عن سبب الاعتقال، وكرر محاولة لقاء أمراء داعش في الشدادي، إلى أن عرف أن تهمة ابنه هي “العمالة لصالح جهات خارجية”، وأنه لم يأت إلى الشدادي لزيارة بيت أخته بحسب اتهامات داعش.
تعرّض عادل لشتى أنواع التعذيب، وذلك لإجباره على الاعتراف بالتهمة الموجّهة إليه. بقي مدة شهرين في سجن الشدادي، بعدها أخبر عناصر من داعش والده بأنهم قتلوا عادل كي يكفَّ الأب عن السؤال عن ابنه، لكنه عرف من مصدرٍ آخر أن عادل ما يزال على قيد الحياة وأنه لم يُقتل.
تهديد الأب بالقتل
تحوّلت رحلة بحث الأب عن ابنه، والتي استمرت ثلاثة أشهر في سجون الشدادي، إلى مصدر إزعاجٍ لعناصر داعش، فلفقوا له تهمةً لإبعاده عن المنطقة، وكانت التهمة هي “محاولة قتل مجاهد”. بعدها تقرّر إعدام الأب في اليوم الثاني في تمام الساعة التاسعة صباحًا، وبعد سماع الأب بهذا الأمر فرَّ هاربًا من الشدادي في الساعة الرابعة فجرًا.
الأم وقد أضناها الشوق
تركيا عبدالله، والدة عادل، تبلغُ من العمر 52 عامًا، تهزُّ برأسها شوقًا ولوعةً على ابنها. ضَعُفَ بصرها وهي تبكي على ابنها؛ فقدت جزءًا من ذاكرتها التي اختزلت كلَّ شيءٍ في صورة ابنها المُعتَقَل. تقول الأم والحزن يعتصر قلبها: “لم أجد سوى القرآن الكريم لألوذ به. لقد كان ابني متفوقًا في دراسته؛ كان طفلي المدلّل الذي ربيته بأغلى ما أملك.”
قلبُ الأم يحدّثها أن ابنها ما يزال على قيد الحياة، لكنها تريد أن تعرف مصيره حتى لو كان ميتًا. تقول تركيا: “أضعتُ نفسي في هذه الحياة بعد ذهاب ابني.”
تعرّض ابنها للتعذيب، وردتهم أخبار بأن عناصر داعش علّقوه من قدميه مدة ثمانية أيام حتى نزف الدم من عينيه، وحرموه شرب المياه وهو يصيح “ماء!”
تقول الوالدة: “لا أستطيع فعل أيّ شيء، فوّضتُ أمري لله، وحسبي الله ونعم الوكيل.”
بعد تحرير بلدة الهول من داعش، أطلقت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حملة تحرير مدينة الشدادي، واستهدفت طائرات التحالف محيط سجن الشدادي فأقدمَ كلُّ السجناء على الهروب، ومنهم عادل، إلا أنه لم يُعرف مصيره حتى اليوم.