يما أنا بريء

تقرير: أكرم صالح

حزنٌ رسمَ لهذه العائلة سواداً أبديَّاً، جدرانٌ متشققة هي ملاذ أربعة أطفالٍ يتامى قُتل أباهم ظلماً، بيت مهترئ ترمّمه بقايا ذكرياتٍ لبائع خبز فكّك فتاتهُ شملَ عائلةٍ فقيرة، يازي السبعينية هي أم وجدة.

حسين عطالله:

شاب من مدينة الرقة، مواليد 1991، يبيع الملح والخبز اليابس في شوارع المدينة مؤمِّناً بعمله قوت عائلته، استيقظ صباحاً مترجّلاً دراجته متوجِّهاً لعمله صحبةَ ابن عمه باتجاه مفرق الجزرة، لم يكن يدري بأن مجموعةً من عناصر داعش كانت تلاحقه ومن ثمَّ اختطفته في المكان نفسه، أتى ابن عمه بالدراجة لأمه مُخبراً إيَّاها بأن ابنك قد اختطف من قبل الأمنيين في داعش.

البحث عن حسين:

بدأت الأم رحلة البحث عن ابنها، بعد مضي 13 يوم على اعتقال ابنها، علِمت بأنه في الملعب الأسود وهو السجن الأكبر في مدينة الرقة (ملعب كرة القدم الذي حوَّله داعش لسجن)، طلبت الأم رؤية ابنها سوى أنَّ طلبها قوبِل بالرفض، ذهبت للوالي فأخبرها بأنها ستراه خلال عدة أيام، ولكن بلا جدوى.

استمرت الأم في محاولات رؤية ابنها، وذهبت لعدة أمراء لكنها لم تظفر برؤيته، وبعد مضي 50 يوم على اختطافه علمت الأم بنبأ إعدام ابنها حسين بطلقتين في الرأس عن طريق طفل يبلغُ 10 سنواتٍ من عمره، حيث أجبرته داعش على قتل حسين، سقط المسدس من يد الطفل من الطلقة الأولى، أخبرها جارها بأن جثة حسين مرميّة على الأرض في دوار الساعة، سارعت الأم مع بناتها وزوجة حسين في التوجُّه نحو الدوار لجلب جثة ابنها، لكن الأم أعادت البنات للبيت خوفاً عليهن متوجِّهةً لساحة الإعدام، لكنها لم تره، فقد أُخِذت جثته لإحدى مشافي داعش حيث وُضِعَ داخلَ برَّادٍ للموتى، وبمساعدة بعض الناس أخذت الأم جثة ابنها ودفنته.

وصية حسين:

كتب حسين في وصيته التي وصلت ليد أمه عن طريق شخصٍ قائلاً فيها: “يا يما أنا بريء وما سويت شي وكل واحد يسأل عني قوليلو فقط الحمدلله وحسبنا الله ونعم الوكيل، أنا من المظلومين ماني من الظالمين، أوصيكي يا يمّا بولادي”، حتى الآن ترعى أم حسين أطفاله الأربعة والتي أكبرهم هي فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات، وتعيش العائلة حالة مأساوية بسبب الوضع الاقتصادي المزري وغياب المعيل للعائلة وحاجة أحد أطفال حسين للعلاج على إثر وجود إعاقةٍ مستدامة في رأسه، وبعد إعدام حسين تركت زوجته أطفالها الأربعة عند جدتهم وتزوجت لتتركهم في مواجهة مصائرهم بأنفسهم.

لم تتوقف عجلة مصائب هذه العائلة، فبينما كانت الجدة جالسة في البيت سمعت صرخة إحدى بناتها، توجهت للمطبخ وإذ بابنتها محترقة جراء انفجار غاز بدائي الصنع (البابور)، تشوَّه وجهها وخسرت زوجها الذي تركها مع أطفالها بعد تشوه وجهها، واجهت هذه العائلة عنفاً وتطرفاً بأشكالٍ عدَّة.

أبو علي الشرعي:

أبو علي هو أحد أمراء داعش في الرقة وهو قاضٍ شرعي من بلدة الكرامة التابعة للرقة، وفقاً لمصادر عدَّة في الرقة فقد كان سجيناً لدى النظام السوري ضمن سجن صيدنايا وأُفرج عنه ببداية الأزمة السورية، ليصبح بعدها أحد قادة داعش في الرقة.

ذهبت الأم لبيت أبو علي وقَّلت حذائه تستجديه ابنها بأن حسين مظلوم، كان أبو علي يتناول التفاح وبيده سكين، لكن الردّ كان قاسياً على يازي، قال لها أبو علي محدّقاً بوجه يازي: “انظري إليّ، لن أترك شاباً في الرقة، وإن استطعت لن أترك شاباً بكل سوريا”.

قُتل القاتل قبل الضحية:

صُدر حكم الإعدام بحق حسين على يد أبو علي في ساحة الملعب، أثناء تحضير ساحة الإعدام (دوار الساعة)، وحضور جمهرة من الناس مرغمين على مشاهدة الإعدام، وأثناء خروج أبو علي من الملعب تعرض لقصف جوي أدى لمقتله مباشرةً، تقول أم حسين ” قُتل أبو علي قبل ابني”.

تقول الأم بأن خال حسين كان متواجداً بجانب الجثة بعد الإعدام، لكنه لم يتمكن من التعرف عليها من شدة آثار التعذيب على جسده خلال وجوده في السجن مدة 50 يوم.

ضحايا أبو علي بالعشرات، تضيف يازي بأنه خلال شهرٍ أُعدم ما يقارب 135 شاباً من الرقة وريفها بأحكام من أبو علي (إما إعدامٌ بالرصاص أو قطعٌ للرأس)، وبعد إعدام حسين برّرت دورية تابعة لداعش بأن إعدامه كان بالخطأ (تشابه أسماء).