نحو اندماج عوائل داعش.. أطفالٌ خارج المخيّمات والسجلّات

 

إعداد :  أكرم صالح

الطبقة

 

على دفعاتٍ، وبكفالةٍ من شيوخ ووجهاء عشائر الرقة ودير الزور والحسكة، تم إخراج مئات عوائل تنظيم داعش، السورية من مخيم الهول. وذلك بعد التأكّد من عدم تلطّخ أيديهم بالدماء. في مدينة الطبقة تقيم نحو 350 عائلة خارجةٍ من المخيم، وتتألف هذه العوائل من الأم والأطفال فقط؛ أما الزوجُ فقد يكون مفقوداً أو مقتولاً أو مُعتقَلاً.

تعمل منظمة «عمل أفضل» ولجنة حل النزاعات في الطبقة على مساعدة هذه العوائل على الاندماج مع المجتمع المحلي، حيث هناك تذمّرٌ وعدم تقبّل من قِبل المجتمع المحليّ تجاه هذه العوائل، حتى على مستوى الأطفال؛ حيثُ يتحاشى أطفال المجتمع المحلي الاقتراب من أطفال عوائل داعش أو اللعب معهم، ويتعبرونهم غرباء. تمثّلُ هذه الظاهرة إحدى أبرز المشاكل التي تواجه عمل اللجنة والمنظمة.

حسن الخمري، أحد شيوخ قبيلة الولدة، ويشغل منصب رئيس لجنة التماسك المجتمعي لحل النزاعات في الطبقة، وأيضاً يعمل على دمج العوائل ضمن برامج منظمة «عمل أفضل». يسردُ حسن طبيعة عمله والكثير من العقبات التي تواجههم في عملية الاندماج، إلا أنهم بحسب وصفهِ حققوا نجاحات كبيرة، من حيث تأمين الخدمات الأساسية لهم، كالغاز والخبز والمسكن، بالإضافة إلى نِسب نجاح متفاوتة من حيث دمجهم ضمن مجتمعهم، وتجاوز حالة التذمر تجاههم. ويعتقد حسن أنّ حالة الصدّ المجتمعي لهذه العوائل قد يعيدها لحالة التطرف، كما لو كانوا تحت سيطرة تنظيم داعش؛ لذلك يسعى حسن مع فريقه إلى تأمين وتهيئة كافة الظروف التي تساعد على عملية الاندماج والتقبّل ضمن بيئتهم.

أحد أكبر المعضلات التي تواجه فريق العمل هو موضوع الأطفال، حيث أنهم لا يملكون أيّة أوراق ثبوتية تؤهّلهم للذهاب إلى المدارس، فهم محرومون من كل شيء، ونسبهم غير معروف. لذلك تعمل اللجنة على إيجاد صيغة مع الإدارة الذاتية لحلّ هذه المعضلة عن طريق إصدار بطاقات تعريفية للأطفال بحيث لا تكون مختلفةً عن بقية شرائح المجتمع، حتى لا يكون حاملها موصوماً بالانتماء لتنظيم داعش.

نساء التنظيم

أم عبد الله من مدينة الطبقة عمرها 32 عاماً، انتسبت لتنظيم داعش مع زوجها عام 2014، بحسب أم عبد الله فإن زوجها كان يعمل ضمن منظومة داعش في بيع النفط. تقول بإنّ حياتها مع زوجها كانت سعيدة، وكان لديها طفلان منه قبل أن يُقتَل بغارةٍ ليطران التحالف الدولي في إحدى جبهات الرقة، حيث ان التنظيم كان يفرض على كافة مواليه أن يُرابطوا في جبهات القتال. بعد مقتل زوجها تزوجت أم عبد الله من مغربيّ، قٌتل أيضاً في الطبقة عام 2017 خلال معركة تحرير الطبقة.

لأم عبد الله ثلاثة أخوة قُتِلوا ضمن صفوف داعش خلال المعارك، إلا أنّها لم تترك التنظيم، فسارتْ مع والديها ضمن الأراضي التي كان يسيطر عليها داعش من الرقة إلى دير الزور حيث المَعقل الأخير للتنظيم وسقوطه بشكل نهائي في الباغوز. بعد ذلك، سلّمت أم عبد الله نفسها لقوات سوريا الديمقراطية، حيث تم نقلها إلى مخيم الهول، الذي بقيتْ فيه قرابة العامين، ومن ثم أُخرجتْ بكفالةٍ من شيوخ العشائر.

تقول أم عبد الله: «أطفالي اعتادوا على رؤية الأسلحة في المنزل، فالزوج سلاحه دوماً كان في المنزل، وتولّدت لديهم الشراسة والعنف، ولم يتلقّوا أيّ نوع من التعليم. كما أن الهواتف كانت مليئة بمشاهد الإعدامات والقتال وإصدارات داعش؛ ماتت فيهم الطفولة. لم يعد لديّ بيت. لم يعد هناك أيّ أحد مسؤول عني وعن أطفالي».

تريد أم عبد الله أن تندمجَ ضمن المجتمع كباقي النساء، وحسب قولها فإنها تتقبّل الجميع دون أيّة نظرة متطرفة. فبسبب داعش خسرتْ زوجها وعائلتها وبيتها، وأطفالها يعيشون دون أية حقوق. عند خروجها من المخيم كانت تعاني من عدم تقبّل الناس لها، حيث كانوا ينظرون إلى النساء الخارجات من المخيم كشواذ، إلا أن الوضع الآن بات أفضل من السابق، تأخذ أم عبد الله بعين الاعتبار أنّ الناس الذين تعرّضوا للأذى، وقُتِل أهلهم وأقاربهم على أيدي التنظيم لن يتقبلوا العوائل الخارجة من المخيم.

عاشتْ أم عبد الله لسنوات ضمن تنظيم داعش، خرجتْ من الطبقة وعادتْ إليها لترى متغيرات كثيرة في الحياة، من حيث نظام الحكم والمحاكم وسير الحياة بشكل عام، إلا أنها تريد أن تندمج ضمن مجتمعها الجديد وتنسى ماضيها، وتعمل على تربية أطفالها وإعادة تأهيلهم، فهي ترسلهم الآن إلى المدرسة وأصبح لديهم أصدقاء.

أم يوسف من مدينة الطبقة، تبلغ من العمر 26 عاماً، دخلتْ صفوف التنظيم حبّاً بقياديّ أردنيّ ضمن صفوف داعش، كان حاصلاً على شهادة الهندسة المدنية. عارضتْ رغبة أهلها وتزوجتْهُ عام 2014، وأنجبتْ منه طفلة. رحلة الزواج مع زوجها لم تستمر سوى ثلاثة أشهر، فقد قُتِلَ بغارة جوية قرب مدينة الباب بريف حلب. لتتزوج بعدها ابن خالة زوجها، الذي قدِم أيضاً من الأردن للانتساب إلى صفوف داعش، ولا تعلم الآن إنْ كان مقتولاً أم مُعتقَلاً.

تتحدّثُ أم يوسف عن حياتها مع زوجها الثاني قائلةً بأنها كانت سعيدةً معه داخل المنزل، إلا أنه خارج المنزل كان شخصاً آخر، فميولهُ الإرهابية كانت تظهر خلال محادثاته مع أصدقائه، وعن تشريع القتل، وحين كانت تمشي معه في الشارع كان يوبّخ الناس على لبسهم غير الشرعي. بقيتْ أم يوسف مع زوجها بعد دحر التنظيم في الرقة والطبقة، ومن ثم ذهبتْ إلى بلدة هجين بريف دير الزور، لتسلّم نفسها لقوات سوريا الديمقراطية، وتنقل إلى مخيم الهول.

فقدتْ أم يوسف كل شيء، وبحسب قولها فإن أطفالها أصبحوا كالجبال على كتفيها، بلا أب وبلا ثبوتيات، ثلاثة أطفال من أبوين أردنيين، لكنها تريد العودة لمجتمعها الذي يعارض عودتها بنسب متفاوتة، فمن يعرفها يعرف بأنها زوجة داعشيّ مُهاجر، وبالأخص الطبقة التي فقدت أطفالها على أيدي التنظيم.

أم يوسف: «أخطأتُ بانتسابي إليهم، وأطفالي يتحملون الآن نتيجة خطأي. لا أريد لأطفالي أن يوصموا بوصمة الإرهاب، لا أريد لأقرانهم أن ينادوهم بأطفال داعش».