رأيت رأس ابني مفصولًا عن جسده

 

أكرم صالح

 

صورة ابنه رامي لا تفارق مخيّلته؛ هي ماثلةٌ أمام عينيه في كلِّ مكان. يرى سحنته في كلِّ شابٍ تقع عليه عيناه. بعد مرور أعوام على قتله، ما يزال الابن حاضرًا في كلِّ تفاصيل حياة الأب. قطعَ عناصر التنظيم رأسه على مرأى من الناس، ومع رحيله فقدَ كلُّ شيء معنى وجوده. رأى الأب صورة إعدام ابنه في اليوم الذي كان ينتظر فيه خروجه من السجن.

حسن الحمد، رجلٌ ستينيٌّ من مدينة الرقة. أثقلته الهموم وفقدَ بهجة الحياة. كان له ابن يُدعى رامي؛ يبلغ من العمر /19/ عامًا. في عام 2014، في شهر رمضان، توفي أحد أقارب حسن، فنصبوا له خيمة العزاء أمام منزله في أحد أحياء الرقة. وهناك نشبَ شجارٌ بين رامي الحمد وأحد شبّان الحي، وعلى إثره داهمت دورية تابعة لداعش بيت حسن الحمد، فمنعهم ابنه رامي من الدخول، ذلك أن البيت كان مليئًا بالنسوة اللواتي أتينَ لتقديم واجب العزاء. أصرَّ عناصر داعش على الدخول، وأشهروا السلاح بوجه رامي، وحاول أحد العناصر إطلاق النار عليه. كان عمُّ رامي بجواره، مدَّ العمُّ يدهُ محاولًا إمساك يدِ عنصر الدوريّة فانطلقت رصاصة وأصابت جدار مدخل البيت، وعلى إثر الصوت صَعَدَ بقية العناصر الذين كانوا موجودين في الشارع إلى الأعلى. أثار منعُ رامي عناصر داعش من الدخول غضبهم، وحين استفسرَ عناصر الدوريّة عمّا جرى، قال العنصر إنَّ رامي قد كفر بالله، فاقتادته الدوريّة إلى أحد المقرّات الأمنيّة التابعة للتنظيم في المدينة.

سجن وإعدام

“الحسبة” أحد الأفرع الأمنية التابعة لداعش، والمسؤولة عن عمليات الاعتقال وتنفيذ أحكام الإعدام، وهي التي اعتقلت رامي. بقي رامي في سجون التنظيم مدة ثلاثة أشهر وعشرة أيام. زارَ الأب خلالها كافة سجون داعش في الرقة عسىَ أن يجد ابنه، ولكن لم يقدّم له أحد جوابًا شافيًا. بعد مدةٍ عرفَ مكان اعتقال ابنه وزارَ أمنيّي داعش سائلًا عن وضعه، فقالوا له إن ابنه سيخرج من السجن في القريب العاجل. في أحد الأيام، وعدهُ أحد الأمنيين بإطلاق سراح ابنه من السجن. فرح الأب بهذا الوعد، لكنه لم يكن يعلم أيّ خروجٍ سيكون. ففي اليوم المُنتظَر، توجّه الأب إلى السوق لشراء بعض الحاجات والحلوى، ذلك أن رامي كان سيخرج من السجن وكان لا بُدَّ من التحضير لخروجه. عند نزوله إلى الشارع، رأى الناس متجمهرة أمام منزله. كانوا جميعًا من أقربائه وجيرانه في الحي. سألهم عن سبب تجمّعهم، فقالوا له إن داعش قد أقدم على قطع رأس رامي في “ساحة الدلّة” وسط مدينة الرقة أمام أعين الناس.. سقط عليه الخبر كالصاعقة.

بعثَ داعش رسالةً إلى العائلة يخبرهم فيها أن جثة رامي موجودة في براد المشفى الوطني وعليهم أن يستلموها. توجّه أعمامه إلى المشفى واستلموا الجثة ومن ثم غسلوها ودفنوها.

يقول الأب: “غسلوا جسد رامي، ووضعوا رأسه بجانب الجسد ومن ثم دفنوه. لقد رأيت رأس ابني مفصولًا عن جسده.”

بعد إعدام رامي، انقلب وضع عائلته رأسًا على عقب، فقد كان رامي الابن الأكبر للعائلة ومعيلها الوحيد. تعاني عائلته اليوم وضعًا معيشيًا مزريًا، إذ مَرِضَ الأب وأصيب بجلطتين دماغيتين قهراً على ابنه، وهو يعاني اليوم من شللٍ جزئيٍّ أصاب أطراف جسده؛ كان وزنه /145/ كيلوغرامًا، لكنه فقد حتى اليوم ما يقارب نصف وزنه.

أُقيم مجلس عزاء رامي أمام بيته، يقول الأب: “كلُّ من يعرفنا حَزِنَ على رامي. جاءنا معزّون من كلِّ مكان، فقد كان رامي ذو سمعة طيبة وكارهًا لداعش. رامي قُتِلَ ظلمًا، وحقه عند الله… الحمد لله أن ابني مات مظلومًا لا ظالمًا.”

تعرَّض رامي لشتى أنواع التعذيب في السجن، حتى تغيّرت بعض ملامح جسده من شدة التعذيب.

لا يستطيع الأب تمالك نفسه، يجهش بالبكاء وهو يحدّثنا عن خِصال ابنه البكر. لا يستطيع فعل شيءٍ سوى الدعاء، يقول متحسّرًا: “عانينا ظلم داعش كثيرًا. ما رأيناه لم يرهُ أحدٌ في العالم كلِّه. إن كان ابني مسيئًا فهو بين يدي الله، وإن كان بريئًا فهو بين يدي الله، وهو أحكم الحاكمين.”