في غياهب سجون داعش

 

أكرم صالح

الرقة

 

اعتقل عناصر داعش شقيقها بسبب شتم البغدادي، وما يزال مصيره مجهولًا حتى اليوم، بعد أن قام أحد الأشخاص بالإبلاغ عنه للحصول على المال من التنظيم.

ليته جاء وطلب المال منّا، تقول أخته بحزنٍ وأسى.

الأخت الكليمة

فاطمة عبدالله الأحمد (أم سليمان)، أربعينية من الرقة، وأمٌّ لستة أولاد. تعمل في الخياطة وتملك ورشةً وسط المدينة.

في عام 2016، طرقت دوريةٌ تابعة لداعش باب منزلها وطلبت شقيقها رمضان. كلَّمت فاطمة عناصر الدورية من خلف الباب، وقالت لهم: “رمضان غير موجود، إنه في بيت أهله”، رغم أن الأخ كان موجودًا في المنزل. خرج إليهم ابن فاطمة وذهبَ معهم إلى بيت رمضان، وفي الطريق قالت له الدورية: “لدينا سيارة معطّلة، ونريد أن يقوم رمضان بإصلاحها”، إذ كان رمضان ميكانيكيًا ويملكُ محلًّا في منطقة الصناعة بمدينة الرقة. طرقَ عناصر الدورية باب بيت رمضان لكنّه لم يكون موجودًا في المنزل. في هذه الأثناء، أيقظت فاطمة رمضان عدة مرات وطالبته بالخروج من المنزل والهروب نحو مكانٍ آخر، لكنه لم يستيقظ وقال لأخته: “لم أفعل شيئًا كي أهرب.” في الساعة الحادية عشرة والنصف ليلًا، عادت الدورية ولكن بشكلٍ مكثّف. قامت بتطويق الحي، ودخل عناصرها إلى المنزل للبحث عن رمضان. وجدوه داخل البيت، وقالوا له: “ستذهب معنا، فقط سؤال وجواب وستعود.” قام عناصر الدورية بالبحث عن هواتف ولابتوب خاص برمضان لكنهم لم يجدوا شيئًا، فأقدموا على مصادرة هواتف بنات فاطمة وأخذوا رمضان معهم. توجّهت فاطمة لمراكز داعش في الرقة للسؤال عن أخيها، لكنها لم تلقَ جوابًا. تلقّت فاطمة فيما بعد خبرًا عن إعدام رمضان بالقرب من الحديقة البيضاء في المدينة. كانت تلك الحديقة تقعُ بالقرب من بيت فاطمة وهي لم ترَ شيئًا من ذلك. بعدها علِمت من أحد الأشخاص أن رمضان ما يزال على قيد الحياة. بحثت فاطمة عن شقيقها كثيرًا، وراجعت كافة سجون داعش وشيوخ العشائر في الرقة والطبقة، لكنها لم تتمكّن من الحصول على أيّ معلومة دقيقة عنه.

شتم البغدادي

لم تكن فاطمة تعرف سبب اعتقال أخيها رمضان، فبعد بحثٍ مستمر علِمَت من أحد عناصر داعش أن رمضان قد اعتُقِل بسبب شتمه للبغدادي. بعد اعتقاله، تمّت مصادرة هاتفه الشخصي، واسترجاع محادثاته على تطبيق الواتس آب، حتى المحادثات المحذوفة تمَّ استرجاعها من قِبل داعش. جاء اعتقال رمضان بناءً على تقريرٍ من قِبل أحد أصدقائه، إذ كان داعش يعطي للمبلِّغين والوشاة مبلغ /50/ دولار أمريكي. كان صديق رمضان قد قام بتسجيل صوتين له: في الصوت الأول يشتم رمضان البغدادي وزوجته وهو ما اعتبره داعش من الكبائر، وفي الصوت الثاني يقول رمضان لصديقه إن الكرد، وهنا يقصد قوات سوريا الديمقراطية، قادمون، وإن أصحاب اللحى الحليقة (قسد) سوف يتغلّبونُ على أصحاب اللحى الطويلة (داعش)، وإن أيام داعش باتت معدودة. تقول فاطمة: “لو جاءنا ذلك الشخص وطلب مبلغ /50/ دولار لكنّا أعطيناه، ولكان ذلك أفضل من فعلته التي قد تودي بحياة شخص.”

إعدام أصدقاء رمضان

لم يكن رمضان أوَّل من تمَّ اعتقاله من العاملين في منطقة الصناعة، فقبل اعتقاله، تمَّ إعدام صديقين له دون أن يعرف أحدٌ سبب إعدامهما، حيث قام داعش بفصل رأسيهما عن جسديهما أمام محلّيهما في الصناعة، وتم تعليق رأسيهما في دوار النعيم وكتابة اسميهما بجانب رأسيهما. بعد هذه الحادثة، شعرَ رمضان بالذعر وقرر الابتعاد عن الصناعة، فنقل محلّه إلى مفرق الجزرات في أطراف المدينة.

ما يزال مصير رمضان مجهولًا دون أن تعلم عائلته شيئًا عنه؛ ما يزال مفقودًا دون أن تدري العائلة إن كان ابنها حيًّا أم ميتاً. كان ابن رمضان يبلغ من العمر سبعة أشهر حين اعتقل داعش والده. لا يعرف الطفل أباه إلا من خلال الصور التي يراها في هاتف فاطمة، فهي التي تربيه.

تقول فاطمة: “عُلِّقت رؤوسٌ كثيرةٌ مقطوعة في معالم المدينة. الكثير من عائلات الضحايا هاجروا إلى خارج سوريا بسبب ما جرى لأولادهم.”