من حفلِ زفافٍ إلى مأتم

 

شيرين صالح

حسكة

 

ما هي إلا لحظاتٌ مفاجئة حتى امتلأت صالة السنابل للأفراح بالصراخ والعويل، وتحوَّلَ العرسُ إلى مأتم، في تفجيرٍ انتحاريٍّ لتنظيم داعش استهدفَ حفلَ زفافٍ بالقرب من مدينة حسكة شمال شرقي سوريا. خلَّفَ التفجير عشرات القتلى والجرحى في مساءِ أحد أيام تشرين الأول/أكتوبر عام 2016. فَقَدَ يحيى عابي ابنه محمد الذي كان يبلغُ من العمر وقتها اثني عشر عامًا، كما جُرِحَت ابنته بشظيةٍ في قدمها. يتحدّثُ يحيى عن الفاجعة وهو يكابد كي يمنع نفسه من البكاء بلا جدوى: “رنَّ هاتفي النقّال في الساعة الثامنة والنصف مساءً، وأخبرتني ابنتي أنها في المشفى. هرعتُ إلى المشفى على الفور، فرأيتُهُ مليئًا القتلى والجرحى. كان أخي قد نُقِلَ إلى غرفة العمليات، وأخبرني أحدهم أن ابني قد قُتِلَ وأن جثمانه في الطابق العلوي. صُعِقتُ حين رأيته، لم أبكِ، بل جلستُ لبضعِ ثوانٍ على الأرض لاإراديًا، ثم اتجهت لعملي في إسعاف الجرحى، فقد كان الكادر الطبي غير قادرٍ على استيعاب أعداد المصابين. جهّزتُ أخي لدخول غرفة العمليات، إذ كان قد أُصيبَ بشللٍ في ساقيه، وتناسيت مقتل ابني في تلك اللحظات؛ لكنني أبكي حضوره في خيالي كلّما مرَّ بذكرياته أمام عيني في كلِّ زاوية من بيتنا.”

يعملُ يحيى في مجال التخدير والإسعاف بمشفى الحكمة في مدينة حسكة. لم يتوقف عن عمله أثناء الفاجعة، إذ تابع عملَهُ في إسعاف ومعالجة الجرحى. يتذكَّرُ ما حصل ويقول بألم: “أخبروني أنهم أخرجوا ابني للدفن، لكنني أكملتُ عملي، فقد استقبلَ المشفى نحو خمسٍ وستين شخصًا بين قتيل وجريح في غضون خمس دقائق فقط. لا أعرف كيف كانت تجري الأمور، لكنني عجزتُ عن تركهم واللحاق بمراسيم جنازة ابني، وأنا أرى الناس تئنُّ وتصرخ وجعًا.”

يعيش يحيى مع زوجته، وثلاث بنات وابنٍ مصابٌ بشللٍ دماغيٍّ منذ ولادته. يعود أحيانًا إلى ثياب ابنه محمد المرتبة في حقيبةٍ خاصة، و البِلي التي اعتاد لعبها مع أطفال الحي. هي تفاصيلٌ تعيده إلى الماضي كما لو كان ابنه حيًّا. يقول يحيى وهو يمسح عينيه من الدموع: “ندمتُ لأنني لم أشترِ له دراجةً هوائية، كنتُ أخاف عليه من حادث سيارةٍ ما. أما الآن، فأنصحُ أصدقائي بشرائها لأولادهم. أقيسُ عمره مع أطفال صفِّهِ في المدرسة فيكبرُ بذهني يومًا بعد يوم.”