«بين الحقيقة والإرهاب».. كنديّة في مخيم لنساء داعش حاصلة على «جائزة فرصة المرأة»

«بين الحقيقة والإرهاب».. كنديّة في مخيم لنساء داعش حاصلة على «جائزة فرصة المرأة»

سيماف حسن

ديرك

في العاشرة والنصف صباحًا وصلنا إلى خيمة «كيمبرلي بولمان» (49 عامًا)، المواطنة الأمريكية – الكندية. تخرج مبتسمة من الخيمة ويبدو أنها قد استيقظت للتو، تقول «لم أستطع النوم ليلة أمس»، تدعونا للدخول لخيمتها لكن قوانين «مخيم روج» الذي يحوي نساء على صلة بداعش، لا تسمح بالأمر. تَطلبُ بضع دقائق لتهيّئ نفسها للخروج إلينا.

في الطريق من إدارة «مخيم روج» حتى خيمة «بولمان»، تصادف بعض الأطفال من جنسيات مختلفة؛ درجات الحرارة العالية تمنع معظمهم من التجوّل ضمن المخيم، كما يُسمَع صوت القرآن من بعض الخيم وصوت أغانٍ أجنبية من بعضها الآخر.

على أسطح مَرافق كل الخيم وفي باحاتها، تنتشر أجهزة الاستقبال الفضائي. أسألُ «بولمان» إن كان سبب بقائها مستيقظة هو التلفاز، فتجيب «لستُ من هواة التلفاز، كنت مشغولةً بالكتابة، أكتب عن الأيام التي أمضيتها في الرقة، في كل مرة أحاول استعادة تلك الأيام؛ تعود الكوابيس إلي».

«بولمان» التي كبرت في عائلة «مينوناتية» متدينة، وهي طائفة مسيحية، في هاملتون بكندا، تم تشخيصها باضطراب ما بعد الصدمة، والذي تسببت به حوادث فضّلتْ عدم البوح بها، إلا أن تقريرًا للمركز الدولي لدراسات التطرف العنيف يسرد تعرضها المكرر للاغتصاب؛ قررت نتيجة لذلك دخول الإسلام في عام 2004.

بعد عامين تتزوج «بولمان» من شخص كويتي، وتنتقل مع أطفالها الثلاثة للسكن معه. لم تكن تجربة الزواج هذه إيجابية بالنسبة لها، لذا تتركه لتعود إلى كندا، لتتعرض هناك للاغتصاب مجددًا من قبل رجل مصري، تقرر حينها، حسب شهادتها للمركز الدولي لدراسات التطرف العنيف، أن تترك كل ما له علاقة بالإسلام.

تم منحها جائزة «فرصة المرأة» من قِبل «الرابطة الدولية لأخوات المحبة» عام 2011، وكتبت جريدة محلية عنها: «أمٌ عزباء لثلاثة أطفال، طالبة بجامعة دوغلاس وتعمل حاليًا للحصول على شهادتها في الإدارة القانونية. هدفها الأسمى أن تعمل في مجال مناصرة حقوق الطفل».

«أبو أيمن»

«كان ذكيًا، مضحكًا، مثقفًا وعطوفًا، ويملك كل ما تنجذب إليه النساء عادة»، تصف «بولمان» الرجل الذي أحبته في عام 2014 «أبو أيمن»، والذي تزوجته لاحقًا، «تبعتُ الروابطَ المتعلقة بالحرب السورية على “فيسبوك” فقادتني إلى «تويتر»، حيث تعرّفت إليه».

«أبو أيمن» من صوماليي كينيا، وكان من أبرز مجنِّدي النساء المهاجرات، حسب «بولمان»، وكان أمنيًا لدى داعش، «قد نبدو غبيات حين نصف ما حصل معنا، لكن هؤلاء الرجال كانوا أذكياء جدًا، كانوا يجيدون استخدام الإسلام لجذبنا، لست ضعيفة، لكنني كنت غير محصّنة نفسيًا وقتها، وهو كان يعلم بكل ما حصل معي سابقًا».

بعد عامٍ ونصف من التواصل عبر الإنترنت، والذي أفضى حسب حديثها إلى الزواج، تقتنع بالانضمام إليه «تعالي حيث ستجدين الحب، ستجدين من يحتاجك، كندا لا تحتاج إليكِ»، تقتبس كلام أبو أيمن، تخبر عائلتها أنها ستسافر إلى النمسا، لتسافر بجواز سفرها الأمريكي إلى تركيا ومن ثم إلى الرقة صيف 2015.

تتوقع «بولمان» أن تكون «خبرتها في التمريض» مفيدةً في المكان الذي ستصله «كزوجةٍ، توقعتُ أن آتي وأفهم الوضع في سوريا وأن أساعد الأطفال، لأن هذا هو شغفي في الحياة، وهو كان يعلم هذا الأمر جيدًا»، وتضيف أنها لم تفهم حقيقة الوضع في سوريا لأن «الإعلام في الشرق الأوسط لا يقول الحقيقة دائمًا»، لتقرر أن كل ما يقوله أبو أيمن هو الخبر اليقين.

«لم أكن منخرطةً في أعمال تستوجب تطبيق القانون، وكان دائمًا يرهبني من الغرب ويقول إنهم سيسجنونني إن علموا بتواصلي معه، لم أستطع أن أخبر أحدًا، لا أن أسأل أحدًا، ولا حتى أولادي لأنني توقعت أنهم لن يتفهموا لأنهم ليسوا مسلمين»، تقول كيمبرلي الحاصلة على شهادة الإدارة القانونية.

تهيؤ للقدوم

دوافع القدوم إلى الرقة لم تكن محدّدة، إلا أنها تعزوها إلى ضعفها النفسي حينها، وتؤكد أن «أبو أيمن» سعى جاهدًا لإقناعها بالمجيء، إلى أن جُرح في معسكر وطَلب منها أن تكون «زوجة جيدة وتنضم إليه»، غير أن ملفاتها الشخصية على بعض المواقع تبدي اهتماماً لافتاً لـ «بولمان» بالمعارف الإسلامية منذ عام 2014.

ملفها الشخصي على موقع Goodreads)) يوضح أنها في الفترة الممتدة بين شهري أيار/ مايو وأيلول/ سبتمبر من عام 2014، وهي الفترة التي من المتوقع أنها كانت تتواصل فيها مع «أبو أيمن»، تثري «بولمان» معرفتها بالإسلام عبر قراءة كتب مثل: «القرآن الكريم، الرحيق المختوم: سيرة الرسول محمد (ص)، الطب النبوي، الطريق إلى مكة»، كما أنها قرأت كتاب الزوجة المستسلمة (The surrendered wife)،  والذي يصف السعادة الزوجية التي ستحققها المرأة حين تستسلم لزوجها، وكتاب الأنوثة المبهرة (Facinating Womanhood) والذي يوضح كيفية «جعل المرأة رائعة في عين زوجها»، كما أنها تقرأ كتب «زوجات الرسول ومكانة المرأة في الإسلام» وبضعة كتب عن تعليم التطريز.

وفي ملفها الشخصي على (pinterest)، والذي يحمل الصورة الشخصية نفسها لملف الموقع الآخر، قامت بحفظ مجموعة صور للكلمات الأساسية بالعربية في 2014 كأسماء الخضروات والأرقام وأسماء وسائط النقل، ويبدو من الحساب أنها بقيت نشطة فيه طيلة فترة وجودها في الرقة، خلال الأعوام (2015 وحتى كانون الثاني/ يناير 2019)، وطريقة وصول «بولمان» للإنترنت حتى ذلك العام غير واضحة.

«قَدِمتُ من أجله وليس من أجل داعش، لو كان ضمن طالبان لانتهى الأمر بي في أفغانستان، لو كان ضمن القاعدة لانتهى بي الأمر في جبال اليمن، ولو كان ضمن تنظيم الشباب لانتهى بي الأمر في الصومال» تقول مؤكدة أن أبو أيمن كان السبب في مجيئها، وتضيف أنها توقعت أن تستطيع العودة إلى كندا.

محاولات الهروب

بعد وصولها إلى الرقة بحوالي ثلاثة أشهر، بدأ الزوج يتعامل بــ «عدوانية» معها و«كان دائمًا مع الأخوة الآخرين، لم يكن الرجل الذي تزوجته، كان رجلًا آخر، لأشعر أنني أواجه ما هربت منه منذ سنوات»، إلى أن قُصف مبناهم، ليسأل كيمبرلي إن كانت ترغب بالعودة، فتبدي رغبتها، ويتم نقلها إلى «المضافة»، حيث قال لها إنها ستُنقل إلى تركيا بعدها، لتعرف لاحقًا أنه سيطلقها.

محاولاتها للهروب، حسب قولها، تسبّبت بسجنها، لتتعرض مجددًا لتجربة صادمة تمثّلتْ بـ «الاستدراج إلى قبو مظلم في السجن ومن ثم الاغتصاب» حسب تصريحات سابقة لها

تتزوج كيمبرلي في 2017 من «سافراز علي» (42 عاماً)، «الترينيدادي الكندي» الذي كان مقيمًا بكندا قبل انضمامه لداعش، والذي كان جيدًا في تعامله معها حسب قولها. «علي» المحتجز في سجن لقوات سوريا الديمقراطية، يقول من جهته إنّ «كيمبرلي» كانت مثل «البيت» بالنسبة إليه، وأنهما حاولا مرارًا الهروب معاً إلى أن صدر حكم بقتلهما في حال حاولا الهروب مجددًا.

«شعرت بالارتياح حين وصلت إلى القوات الأمريكية»، تروي «بولمان» قصة يوم هروبها من الباغوز عام 2019 ومعها رضيع كان قد فقد أمه، ليتم نقلها إلى مخيم الهول ولاحقًا إلى مخيم روج.

اتهمت «هيومن رايتس ووتش» الحكومة الكندية بأنها تمنع كيمبرلي «المصابة بمرض خطير» من العودة إلى كندا لتلقي «العلاج المنقذ للحياة»، إذ قالت إنها «تعاني من مرض الكلى، وارتفاع ضغط الدم، بالإضافة لمشكلات صحية أخرى، وقالت إنها أصيبت بالتهاب في الكبد أربع مرات أثناء مكوثها في المخيم، فضلا عن الالتهاب الرئوي».

فيما قالت المتحدثة باسم دائرة الشؤون الدولية الكندية «سابرينا ويليامز» لوكالة «أسوشيتد برس» إنّ «مسؤولين كنديين يتعاونون مع قوات سوريا الديمقراطية، ومنظمات دولية أخرى في جمع المعلومات لتحرير كنديين اثنين محتجزين بسوريا» إحداهما «بولمان» والآخر طفل في الثانية عشر من عمره.

وهناك نحو /50/ كنديًا في مخيمات شمال شرقي سوريا. اعتقل بعضهم قبل أن يفقد تنظيم «داعش» آخر الأراضي التي كان يسيطر عليها. وذكرت «هيومن رايتس ووتش» أن أكثر من نصف الكنديين المحتجزين في سوريا أطفال، ومعظمهم دون سن السابعة.

«بين الحقيقة والإرهاب»

«بين الحقيقة والإرهاب» هو العنوان الذي اختارته «بولمان» لسلسلة الكتب التي تقوم بكتابتها حول ذهابها إلى الرقة وصولًا إلى المخيم. يصلح العنوان أن يكون وصفًا لحالة معظم النساء المهاجرات، اللاتي تكدن تصفن أنفسهن ضحيات، تقول «بولمان» إنها لا تود أن تُدعى ضحية، وتعتبر وصف «الضعيفة» بحقها تحيزًا جنسيًا، إلا أنها تعود لتبرر انضمامها إلى زوجها بحالتها النفسية الهشّة، وهو تصريح مشابه لما ورد على لسان أكثر من امرأة «مهاجرة».

تتكرر سردية الندم لدى هذه النسوة، ويبدو أنه السيناريو الأسهل بالنسبة لهن، ومن الصعب التوقع إن كانت ستظل «كيمبرلي بولمان» ضمن حدود «دولة الخلافة» لو لم تسقط، بالدرجة نفسها التي يصعب فيها معرفة الحقيقة في تفاصيل قصص الإرهاب، التي تتقاطع فيها حالتها كضحية اغتصاب مع حالتها كمسافرة بغرض الزواج والتمريض إلى منطقة يسيطر عليها تنظيم «إرهابي».