الفن في شرائع الإرهـ.ـاب

الفن في شرائع الإرهـ.ـاب

إعداد : أكرم صالح

الرقة

«لا نريد غير السلام، نحن كفّار وملحدين بنظر الإرهاب، هُجّرنا جميعًا، صُودرت أعمالنا، لكننا بالفن نواجه الإرهاب، ونعيد للثقافة عافيتها».

جلاء حمزاوي، رئيس مجلس إدارة جمعية ماري للثقافة والفنون والبيئة، الجمعية تأسست عام 2006، وهي عبارة عن تجمّع للفنانين التشكيليين والنحاتين والمسرحيين، ومجموعة من الأدباء والمثقفين في الرقة، إلا أن نشاط الجمعية توقف خلال فترة سيطرة داعش على الرقة.

بعد توقفٍ دام اثنا عشر عامًا نظمّت الجمعية نشاطًا ثقافيًا تحت اسم «أسبوع التشكيل الرُقي» على نهر الفرات في الرقة، ضمّ الرسم والفن التشكيلي والنحت والأمسيات الشعرية والغنائية، واستمر لمدة أسبوعٍ كامل.

خلال فترة سيطرة داعش على المدنية، هاجر معظم المثقفين والنحاتين والفنانين إلى خارج البلاد، بسبب تكفيرهم والنظر إليهم كملحدين، ومنذ دخول المجموعات المسلّحة إلى الرقة عام 2012، وانتهاءً بسيطرة داعش عليها توقفت الحياة الثقافية بشكلٍ تام، وكان نصيب النحاتين من هذه المحنة أكبر، فهم صانعي تماثيل وكفّار، وكل من قام بصنع نصب تذكارية كان اسمه مطلوبًا لدى داعش، كذلك الأمر بالنسبة للشعراء والكتّاب. لكن الفن ككل استعاد عافيته بعد دحر داعش بشكلٍ تام، واستعادت الأنشطة الثقافية رونقها من جديد، وافتتحت العديد من المراكز الثقافية التي يتم فيها تقديم الأمسيات الشعرية والأدبية والعروض المسرحية.

«نحن نرسم وننحت ونلقي الشعر على نهر الفرات وسنستمر، فهي بالنسبة لنا حالة من مقاومة الإرهاب»، هكذا يعبّر جلاء عن شغفه بالفن.

جمعة سعيد الحمو، نحات من مدينة الرقة، يمارس فن النحت من الثمانينات، وهو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين في الرقة، وكان مدرّسًا في مدرسة الفنون التشكيلية لمدة عشر سنوات، أقام أكثر من سبعة معارض فردية، وشارك في جميع المعارض العامة على مستوى سوريا، كما أنه حائز على جوائز عربية ودولية.

في هذا النشاط يقوم جمعة بنحت صخرةٍ كبيرة ليحولها إلى جسم امرأةٍ تحمل جرّة مياه، كما تظهر على المنحوت أسماكٌ كدلالة على استمرارية الحياة والخصوبة.

كغيره من الفنانين عانى جمعة من حكم الجماعات المتطرفة على الرقة، فقد صُودرت العشرات من أعماله من قبل الفصائل الموالية لتركيا، ومن بعدها داعش، فلم يعد يمتلك إلا القليل من أعماله التي كان يشارك بها في المعرض، فهو كان ينحت على المعادن والأحجار الكريمة أيضًا، والتي، بحسبه، كانت تقدّر بـ /65/ مليون ليرة سورية آنذاك.

استُدعي جمعة للنقطة /11/ (أخطر سجون الرقة)، من قبل عناصر داعش، وحُكم عليه بالقصاص، فهو بنظرهم كافر وملحد، طلب جمعة منهم أن يذهب للبيت ليودّع أهله، قال له أحد أمراء داعش: «سأذهب إلى دير الزور وأعود غدًا لاعتقالك وقصاصك»، إلا أن الأمير قُتل بغارة جوية قرب منطقة «الكبر» في ريف دير الزور.

فَقَد جمعة كل ما يملك، إلا أنه كان عازمًا على إتمام عمله، أكمل النحت سرًا، وكلما ينجز أحد الأعمال كان يدفنه تحت الأرض، كما قام بشراء بعض القطع الأثرية التي كانت ستُهرّب وتباع خارج البلاد، وسلّمها إلى لجنة الآثار والمتاحف في الرقة فيما بعد.

خلال فترة عمله السرّي قام جمعة بإنجاز نحو أربعين عملٍ نحتي، كانت كلها مدفونة تحت الأرض. وبعد تحرير الرقة، افتتح أول معرض فردي وعرض فيه جميع الأعمال التي أنجرها خلال فترة سيطرة داعش، كانت غايته تشجيع الفنانين الذين هُجروا بسبب داعش على العودة إلى الرقة. يحاول جمعة الآن توثيق إجرام داعش عن طريق النحت؛ فالفن يمكن أن يواجه الإرهاب بالتوثيق.