قرية (مظلومة).. ذاكرة المكان

قرية (مظلومة).. ذاكرة المكان

 

إعداد : شيرين صالح

بين ليلةٍ وضحاها هجم داعـ.ـش على قرية (مظلومة)، التابعة لناحية القحطانية بشمال شرق سوريا في 12/8/2013، وفرَّ أهلها. نُهبتْ وأُحرقت بيوتهم ثم دُمّرتْ، وتحولت القرية بأكملها إلى أنقاض. حرّرتْ وحدات حماية الشعب القرية بعد قرابة شهر من سيطرة داعـ.ـش عليها.

عاد الأهالي لإلقاء النظرة الأخيرة على بيوتهم المُدمَّرة وأدخنةُ الحريق تعلو سماء القرية التي تحوي قرابة عشرين بيتاً، بينهم بيت المواطن سراج إبراهيم وعائلته المؤلفة من خمسة أفراد، فقد فجّر الدواعـ.ـش قسماً منه وحرق القسم الآخر بعد نهبه. يتذكر سراج ما حصل قائلاً: «في طريق هروبنا أثناء قصف داعـ.ـش، غلبتني دموعي وانا أرى بيتنا وذكرياتنا تحترق، نيران ظلم ذوي اللحى الطويلة ما تزال مشتعلةً في داخلي»

نُهبَت المواشي والمحاصيل الزراعية بينها القمح والشعير والعدس، والآلات الزراعية، وأُحرقتْ كل الأشجار التي كان قد مضى على زراعتها عشرات السنين. تفحّمت كل البيوت إلا غرفة في بيت المواطن محمد شريف؛ بقيتْ على حالها وسط دمـ.ـار القرية. يسرد سراج ما حدث: «فرحنا للحظة أن غرفة جارنا لم تحترق، شرعنا لدخولها وإذ بجارنا أكرم ينبّهنا أن هناك تفجيرات مثبتة بخيطٍ ممدّد، كان قريباً من مكان وقوفنا. بتلك الدقائق نجونا من المـ.ـوت».

تغيرت حياة أهالي القرية بعد اجتياح داعـ.ـش؛ هاجر الجميع دون عودة، وتحولت البيوت إلى أكوام من التراب، ولم يبق إلا الذكريات بعد الهجرة الى الدول الأوربية والمناطق المجاورة، فظلّتْ حسرة الذكريات وأمل العودة حلماً يلاحق أذهانهم. يتحدّثُ سراج عن جارهم محمد علي المتوفي: «توفي جارنا العجوز محمد علي ولم يتحقق حلمه بالعودة، لا أعرف لماذا تذكرت تفاصيل الماضي الجميل عندما قمت بمراسيم غسله عندما توفي، ربما لأن العجائز هم ذاكرة مكاننا الذي خسرناه وسكن أحلامنا»

 

يسكن سراج مدينة القامشلي، ويزور أنقاض قريته ويتفقد أرضه الزراعية، ويتكلم بحسرة: «لم يترك داعـ.ـش حيزاً في القرية لنبني أملاً للعودة. أتذكر فناء بيتنا عندما أقمنا حفلة زفاف ابني أحمد، لكنني أحزن عندما تقع عيناي على الجهة الأخرى من المكان عندما فجر داعـ.ـش آلاتي الزراعية وحرق بيتنا أمام عيني دون أن أفعل شيئاً. يبدو أن داعـ.ـش يحرق الذكريات أيضاً».